اخبار الحوادث

Tuesday, June 16, 2009

الحلقة السادسة جمــــال بقلم ا. عماد حجــاب

الساعات الأخيرة

قصة مسلسلة منفصلة الحلقات

بقلم كل من :

ا. عماد حجاب

ا. يمنى حسن حافظ

د. أحمد مراد

الحلقة السادسة

جمــــال

بقلم ا. عماد حجــاب

وضع الحاج أمين النقود على المكتب و هو يقول :

أمين : و الله يا حاج جمال ما معايا غيرهم

جمال : يا الله يكرمك ياحاج أمين متحرجنيش.... أنا قلت لك مينفعش

أمين : و الله يا حاج جمال ما انت كاسفنى ... و إن شاء الله نعوضها فى حاجة تانية ... اهو أخوه السنة الجاية حنجوزه برضه و مش حنروح لحد غيرك

جمال : يا حاج أمين دول خمسميت جنيه ... هو احنا بنتكلم فى خمسين جنيه ؟ ده العربية الى حتنقلهم من دمياط لحد هنا لوحدها بتاخد متين جنيه .... يعنى يرضيك أحط من جيبى ؟

أمين : معلش ... اعتبر ياسر زى ابنك .... و الله لو معايا مكنتش اتأخرت .... ربنا يعلم أحنا دبرنا الفلوس دى إزاى

نظر جمال إلى ياسر الجالس بجوار والده و قد ارتسمت على وجهه علامات الرجاء و الاستجداء ، ثم نظر إلى الأرض و كأنه يفكر بعمق

جمال : يا حاج أمين انت عارف إن أسعارى مش موجودة عند حد ، و أنا أصلاً عاملك تخفيض كبير ، ما تجيش على أكتر من كده

أمين : يا حاج و الله و حياة اولادى (1) ما معايا غيرهم

جمال : طيب ادفع حتى حق المشال

أمين : إحنا طمعانين فى كرمك ... و عارفين إنك حترجعنا مجبورين

فى هذه اللحظة ارتفع صوت أذان الظهر من المسجد المجاور

أمين : (باستجداء) و حياة الأذان ده ما انت كاسفنا (1)

زفر جمال بعمق و نظر لهما ، ثم اخيراً ابتسم فكأنما أشرقت الدنيا فى وجهيهما

جمال : و أنا ما أقدرش أرد لك كلمة يا حاج ... ألف مبروك

قام الحاج أمين وولده ياسر يقبلان جمال و يقدمان له أسمى عبارات الشكر و العرفان

أمين : الله يكرمك ... الله يعمر بيتك .... ربنا يزيدك

ياسر : ربنا يخليك يا عم جمال .. انا مش عارف أشكرك إزاى

جمال : العفو ... العفو ...

أمسك ياسر بالكاتالوج و أشار إلى صفحة فيه و قال :

ياسر : متنساش يا حاج ... الرسمة دى بس لميع مش مط ، و السرير يبقى مترين و عشرة مش مترين

أمين : آه يا حاج و النبى (1).. اصل ياسر زى ما انت شايف كده ... طويل زى النخلة !!

فيضحكون بصوت مرتفع ، و يمسك جمال بورقة و قلم و يدون رقم الصفحة و تعديلات ياسر

جمال: (ضاحكاً ) ربنا يخلى ... بس متنساش تعزمنى على الفرح يا أستاذ ياسر

ياسر : يا نهار أبيض ... و الله لتكون أول واحد أعزمه إن شاء الله

أمين : و انت محتاج عزومة يا حاج جمال ... دا احنا نتشرف بيك

جمال : الله يكرمك ... ربنا يتم عليك بخير

ياسر : أهم حاجة المعاد اللى اتفقنا عليه يا حاج جمال ... أنا حاعمل حسابى على كده

جمال: هما أسبوعين بالكتير زى ما اتفقنا بإذن واحد أحد

أمين : على بركة الله ... نقرا الفاتحة بقى عشان ربنا يبارك

يرفع كل منهم يده أمام وجهه و يغمض عينيه و يبدأ فى قراءة الفاتحة (2)

جمال: ......... و لا الضالين آمين

يقوم أمين وولده ليسلما على جمال ثم ينصرفان ، و بمجرد أن يخرجا من باب المعرض يمسك جمال النقود و يبدأ فى عدهم .

********

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ..... السلام عليكم و رحمة الله

انتهى الشيخ عواد إمام المسجد الكبير من صلاة الظهر ثم التفت للمصلين و سلم على المحيطين به كعادتهم بعد كل صلاة(3) ، ثم أمسك بالميكروفون

الشيخ عواد : يا اخوانا يا مصلين ... يا أحباب رسول الله .... المسجد محتاج مصاريف كتير ... إحنا جمعنا لغاية دلوقتى ميت ألف جنيه و محتاجين قدهم كمان ... اللى ربنا يقدره على دفع أى مبلغ ميبخلش على بيت ربنا

و أخذ يردد هذا الكلام أكثر من مرة حتى انصرف المصلين إلا خمسة رجال يبدو أنهم القائمين على أمر المسجد ، ثم أغلقوا الباب عليهم و جلسوا يتحاورون

عواد : لقيت قد إيه فى الصناديق النهاردة يا حاج يونس ؟

يونس : حوالى تلتميت جنيه

عواد : و انت لميت كام يا حاج حسنين ؟

حسنين : انا لفيت النهاردة لفة كبيرة و الحمد لله ربنا وفقنى و جمعت حوالى ستميت جنيه

عواد : الحمد لله ... ماشيين كويس بس لسة بدرى .... و انت عملت إيه فى الأوقاف يا حاج رضا ؟

رضا : قالوا لى مش حينفع السنة و لا السنة اللى جاية و لا حتى اللى بعدها ... الميزانية متسمحش إنهم يساعدونا بحاجة

عواد : لا إله إلا الله .... يعنى نستنى لحد ما المسجد يقع فوق دماغنا ؟...

ثم التفت إلى الرجل الخامس الذى كان مغمضاً عينيه و يمسك بسبحته يسبح عليها

عواد : متشور علينا يا حاج جمال

رفع جمال عينيه إليه فى هدوء و كان ما زال يتمتم ثم قال

جمال : بقولك إيه يا أبا الحاج عواد

عواد : قول يا جمال

جمال : أنا كنت بسأل يعنى ... حنفضل مستنين لحد إمتى ... يعنى حنبدأ فى ترميم الجامع إمتى ؟

عواد : مش لما نجمع المبلغ المطلوب يا جمال ... إحنا لغاية دلوقتى مجمعناش غير نصه بس

جمال: يا أبا الحاج السقف بيطأطأ .... إيه رأيك لو بدأنا الشغل بالمبلغ اللى معانا دلوقتى و الناس لما تلاقى الشغل شغال حيدفعوا لنا أكتر

عواد : بس لو بدأنا دلوقتى ممكن الفلوس تقصر معانا و منقدرش نعمل اللى احنا عاوزينه

يونس : و الله يا أبا الحاج أنا شايف إن رأى الحاج جمال صح

عواد : أيوه بس خد بالك أنا كل اللى يهمنى المدنة

جمال : إن شاء الله حتبقى أعلى مدنة فى المركز كله

عواد : أيوه لازم تبقى أعلى من مدنة كفر شبين (4)

رضا : بس فعلاً الفلوس كده مش حتكفى .... دول الصنايعية بس بتوع القبة و المدنة لوحدهم عاوزين ييجى خمساتشر ألف جنيه

جمال : أيوه دى بأسعاركم أنتم .... أنا بقى عندى الصنايعية اللى ممكن يعملوا كده بنص الثمن

رضا : فين دول يا أخويا ... إيدى على كتفك

جمال : فى بلدنا ... فى دمياط ... إنتم نسيتوا إنى دمياطى و لا إيه؟

حسنين : طيب و المِوَن ؟

جمال : و المون هناك برخص التراب

عواد : و الله يا جمال يابنى ... شوف انت بقالك معانا سنة واحدة .... بس كأنك من أصل البلد

حسنين : آه و الله يا عم عواد ... الحاج جمال كأنه واحد مننا بالظبط

جمال : الله يكرم أصلك يا عم الحاج .... إحنا خدامين بيت ربنا

عواد : طيب تبقى دى مهمتك يا بطل ... تاخد الفلوس و تسافر تجيب لنا المون و الصنايعية

رضا : طب و المنبر .... نسينا المنبر

جمال : دى شغلتى أنا بقى .... أحلى و أجمل و أكبر منبر (5)حيتعمل مخصوص و أجيبه معاياً يتركب هنا

عواد : الله ينور عليك ... دا انت كده حليت لنا مشكلة كبيرة قوى

حسنين : طب إيه رأيك لو جبت سيراميك الحمامات بالمرة من هناك ... بيقولوا هناك السيراميك أرخص برضه

رضا : إحنا كده حنتقل على الحاج جمال يا حاج حسنين

جمال : أبداً أبداً .... أى حاجة فيها مصلحة للجامع ما اقدرش أتأخر أبداً

يونس : طيب .... بالمرة بقى تجيب لنا من هناك أطقم الحمامات

عواد : لأ كده يبقى كتير على الراجل ياجماعة

جمال : و لا كتير و لا حاجة .... التجار اللى هناك كلهم حبايبى و لما يعرفوا إن الحاجات دى لبيت ربنا مش حيتأخروا

عواد : ربنا يجزيك خير يا رب

جمال : الله يخليك يا حاج عواد ... ربنا يتقبل مننا أهم حاجة

عواد : طيب يا بطل ... يبقى انت تاخد الفلوس كلها و تاخد المقايسات و تنزل على دمياط تشترى لنا الحاجة و تتفق مع الصنايعية .

جمال : أنا فى الخدمة ... أنا تحت أمركم

رضا : و ناوى تتوكل على الله إمتى كده بالسلامة ؟

جمال : إن شاء الله بكره الصبح بدرى

عواد : بألف سلامة إن شاء الله ..... و حتقعد قد إيه ؟

جمال : هما أسبوعين بالكتير على ما اتفق مع الصنايعية و اشترى الحاجات و أخلص شغل المعرض بتاعى

عواد : على بركة الله ... قوم يا حاج رضا على البنك (6) اسحب الفلوس و ابقى وديهم للحاج جمال فى المعرض بتاعه

و انفض الاجتماع

--------

كانت الحجرة قد عبأها الدخان و كان زكى فراش (معرض الحاج جمال للموبيليا ) يمر على الموجودين بأكواب الشاى

جمال : اتفضلوا يا جماعة ... اتفضل يا حاج نبوى

كان الحاج نبوى رجلاً فلاحاً فى الخمسين من عمره و كان معه رجلان و شاب

نبوى : يزيد فضلك يا حاج جمال ... اعرفك

ثم أشار إلى رجل فى الأربعين من عمره يبدو أنه فلاح أيضاً

نبوى : ده كامل اخويا

و أشار إلى شاب فى العشرين من عمره

نبوى : و ده سعيد ابنى

و أشار إلى رجل فى الثلاثين من عمره يرتدى بذلة كاملة

نبوى : الأستاذ حجاج المحامى

جمال : يا أهلاً و سهلاً ... انتو شرفتونا

نبوى : طبعاً حضرتك عارف إحنا جيين لك فى إيه يا حاج جمال

جمال : (مبتسماً فى ود) أيوه طبعاً .... جودة قال لى

ثم التفت إلى جودة الذى كان يجلس بجواره مبتسماً

جمال : جودة ده أجدع سمسار أراضى عندنا

جودة : ده من ذوقك يا حاج جمال

نبوى : إحنا رحنا معاه و شوفنا الأرض و عجبتنا و قيسناها و كنا عاوزين نشتريها

جمال : أيوة بس أنا عاوز أبيعها كلها حتة واحدة

نبوى : و إحنا جاهزين ... بس كنا عاوزين نتكلم فى السعر شوية

جمال : و الله يا حاج نبوى انت عارف إن الأرض فى الحتة دى تسوى أكتر من كده و أنا لولا إنى معذور فى قرشين عشان المعرض مكنتش أفكر أبيعها أبداً

نبوى : أيوه يا حاج مقلناش حاجة .... بس سبعين ألف فى القيراط كتير علينا

جمال : ما هو ده السعر اللى ماشى هناك يا حاج ... دى أرض بنا مش زراعة

نبوى : بس إحنا حناخد الست قراريط كلهم

جمال : و لو كانوا عشرين قيراط... مقدرش أبيع بأقل من كده

نبوى : يا حاج انت عارف إن احنا مش من البلد ...يعنى إحنا ضيوفكم و كنا طمعانين فى كرمك

جمال : انتم على راسى من فوق ...بس ..

نبوى : (مقاطعاً ) مفيش بس و لا حاجة .... نقول ستين و نقرا الفاتحة

جمال : لا لا ... يا نهار أبيض ... أنزل عشرتلاف فى القيراط .... مينفعش يا حاج

نبوى : طيب قولنا كلمة تانية ... بس سايق عليك النبى لانت مريحنا

جمال : أيوة بس انت بعدت قوى يا حاج نبوى

نبوى : طيب قولنا انت كلمة حلوة

جمال : طيب ... حاضر ... عشان بس إنتم ضيوفنا ... حابيع على سبعة و ستين

نبوى : بقى ده اسمه كلام يا حاج ... دا انت معملتلناش خاطر خالص

جمال : إزاى بقى دا أنا منزل تلتلاف فى القيراط يعنى تمنتاشر ألف جنيه فى الست قراريط

كامل : بس احنا عشمنا فيك أكتر من كده يا حاج جمال

جودة : ريحهم يا حاج .. عشان خاطرى

جمال : (مبتسماً ) عشان خاطرك و لا عشان السمسرة بتاعتك

يضحكون و تعلوا أصواتهم و يستبشرون بضحك جمال

جمال : طيب أنا حاعمل معاكم واجب ماتعملش قبل كده

نبوى : و دا عشمنا فيك يا حاج جمال

جمال : انا حابيع على خمسة و ستين و دا آخر كلام عندى

كامل : يعنى مفيش كلام تانى ؟

جمال : أبداً و الله ... مقدرش ... مترضوليش الخسارة

نبوى : ربنا ما يجيب خسارة ... على البركة .... الفاتحة

يرفعون أيديهم إلى وجوههم و يقرأون الفاتحة

و لا الضالين ... آمين

ينتهى حجاج المحامى من قراءة الفاتحة

حجاج : طيب ممكن أشوف العقود القديمة يا حاج جمال ؟

جمال : معيش غير العقد اللى أنا اشتريت بيه بس

حجاج : طيب و العقود القديمة فين

جمال : ما اعرفش ... أنا ما أخدتش غير العقد الجديد بتاعى بس ... و أنا حاعمل إيه بالعقود القديمة ؟ حاقوم أجيبه من الخزنة فى الأودة التانية

ثم نهض فالتفت المحامى إلى الحاج نبوى

حجاج : يا حاج لازم يكون معاه العقود القديمة

نبوى : و لزمتها إيه بس ... ما احنا حنكتب عقد جديد

حجاج : عشان نطمن بس لتاريخ الأرض

جودة : إطمن يا استاذ ... إطمن يا حاج نبوى ...الحاج جمال سمعته زى اللبن الحليب

حجاج : يا جماعة أنا مقولتش حاجة ... بس دى إجراءات

جودة : يا حاج نبوى ... اطمن ... و خد بالك أنا عندى تلات مشترين جاهزين ... متضيعش البيعة من إيدك عشان شوية كلام فاضى .... إنت واخد الأرض بسعر خرافى

حجاج : (معترضا) ده مش كلام فاضى يا حاج جودة ... دا شغل

نبوى : خلاص يا أستاذ حجاج ... الله يكرمك ... مش عاوزين نبوظ البيعة

حجاج : طيب يا حاج .... بس انا باخلى مسؤوليتى قدامكم

يدخل جمال فيسكتون ، و يأمر لهم فراش المعرض بان يأتيهم بشراب بارد، و يناول المحامى ، العقد الذى اشترى به الأرض ، فيتفحصه المحامى ..

و يبدأ فى كتابة العقد الجديد

جمال : أول ما تحب تعمل صحة توقيع ابقى اتصل بى أروح معاك المحكمة

نبوى : إن شاء الله يا حاج

حجاج : ممكن بطاقتك يا حاج

جمال : ( يناوله البطاقة) اتفضل يا سيدى

حجاج : ( متعجباً ) إيه ده .. ؟ دى بطاقة كرتون ... امال فين بطاقة الرقم القومى؟

جمال : ( مبتسماً ) لسة ما عملتهاش

ثم يضحك بصوت عال يشعر فيه حجاج بالافتعال ، ثم ينظر إلى الحاج نبوى و كأنه يستشيره

فيشير له الحاج نبوى بالموافقة

و هكذا ينتهون من كتابة العقد ، و عد النقود و تسليمها إلى جمال ، و ينهضون و يشيعهم جمال إلى باب المعرض و يعود فيجد جودة فى انتظاره

جمال : (مبتسماً ) نعم ... مستنى إيه انت كمان ؟

يبتسم جودة ابتسامة صفراء و يقول له

جودة : مستنى حسنتى ... بس إيه رأيك المرة دى ؟

جمال : عال ... على العموم آهى آخر مرة

جودة : آه والله .... حتوحشنى و حتوحشنى أيامك

يعد له جمال نصيبه و يعطيه إياه

جودة : كام دول ؟

جمال : خمسين باكو

جودة : نعم ؟ خمسين باكو ؟ إحنا مش متفقين على ستين يا راجل انت

جمال : ستين قطر لما يدوس عليك .... الكلام ده لو كانت البيعة تمت بسبعين يا روح امك

جودة : ( مبتسماً ) طيب يا أخى خلى عندك ذوق و ادينى مكافأة نهاية الخدمة

جمال : متخلى انت عندك ذوق و تقوم تروح عشان عاوز أجهز نفسى ... عشان مسافر الصبح

جودة : (ينفخ فى أسى ) متخليك شوية كمان ..

جمال : لا ... مينفعش ... كده رضا قوى ... أكتر من كده خطر

جودة : طيب ما تاخدنى معاك ... انا برضه ماليش حد هنا

جمال : ماينفعش ... أنا باحب اشتغل لوحدى

جودة : طب قولى حاتروح فين

جمال : برضه ما ينفعش .... خد بالك ... لازم تختفى انت كمان

جودة : يا عم أنا خلاص ... حاخرج من مكتبك على المحطة علطول ... و الله كانت أيام حلوة

ثم يقوم و يعانق جمال و ينصرف

---------

كان الحاج جمال قد عاد من صلاة العصر و أحضر له فراشه الغداء من الحاتى المجاور لهم

و بعد قليل دخل عليه

زكى : فيه اتنين بره عاوزينك يا حاج

جمال : مين ؟

زكى : الحاج رضا و الحاج حسنين

جمال : دخلهم بسرعة يا واد و هات لهم حاجة ساقعة ...

يخرج الفراش و يدخل بهم فينهض جمال من على مكتبه ليستقبلهم

جمال : يا أهلاً يا أهلاً ... ده إيه النور دا كله

حسنين : دا نورك يا حاج جمال ....

جمال : اتفضلوا ... يا ألف مرحب

رضا : أمال المعرض فاضى ليه كده با حاج جمال ؟

جمال : ما أنا نازل ان شاء الله أجيب بضاعة

يرفع الحاج رضا على المكتب حقيبة من النوع الرياضي و يفتحها فتبدو بداخلها النقود

رضا : على البركة .... اتفضل يا عم ... ميت ألف جنيه بالتمام و الكمال

جمال : على البركة ... استنوا بقى لحد ما اكتب لكم وصل الأمانة

ينظران إلى بعضهما باستنكار

حسنين : وصل أمانة إيه يا راجل؟ ... مش عيب لما تقول حاجة زى كده؟

رضا : جرى إيه يا حاج جمال ... بتزعلنا منك ليه ؟

يفتح جمال درج مكتبه و يخرج دفتر يقطع منه ورقة و يبدأ فى ملء بيانتها

جمال : و الله ما يكون أبداً ... دا حق ربنا ... و بعدين محدش ضامن الموت من الحيا

حسنين : ربنا يبارك فى عمرك يا حاج جمال

رضا : و الله ما كانش له لازمة يا حاج جمال

جمال : لا و الله ... يا إما كده يا إما مش حاخد الفلوس

ينظران إلى بعضهما فى استسلام

حسنين : خلاص اللى تشوفه يا حاج جمال

رضا : بس و الله الشيخ عواد حيزعل قوى

جمال : الحق ما يزعلش يا حاج رضا .... و بعدين ربنا اللى أمرنا بكده

حسنين : الله يزيدك يا حاج جمال .... و الله الواحد يآمنك على عمره

جمال : الله يكرمك يا حاج حسنين ...

ثم يناوله الوصل الذى يأخذه متحرجاً

جمال : انا كتبت الوصل باسم الشيخ / عواد

رضا : على بركة الله

ثم ينهضان و يهمان بالانصراف

جمال : مستعجلين على إيه ... الواد راح يجيب الحاجة الساقعة

رضا : معلش .... مرة تانية ... عشان نسيبك تستعد لسفرك

حسنين : (يصافحه ) نشوف وشك بخير

يصافحهما و يشيعهما إلى الباب و يعود إلى مكتبه

------

بمجرد أن خرجا من عنده ، أخرج جمال من تحت المكتب حقيبة رياضية كبيرة و فتح السوستة فظهرت فيها رزم من النقود مكدسة و مرصوصة ، فيرص جوارهم المائة ألف الأخيرة

جمال : كده يبقوا إتنين مليون و ربعمية ألف ... كويسين ... رضا الحمد لله

نظر جمال إلى نتيجة الحائط و ابتسم

اليوم أكمل عاماً كاملاً منذ أن وطأت قدمه أرض هذه البلدة

و كعادته لم يكن ينوى أن يعيش فيها يوماً واحداً إضافياً ... تسألون لماذا ؟

ألم تعلموا بعد ،،

--------

سيد : مؤسسة عبود ... مؤسسة عبود ....مؤسسة عبود
و يصعد خامس الركاب إلى الميكروباص
جمال
تاجر .... سمين ... أصلع
-------

اختار جمال أن يركب فى المقعد الخلفى لأن حقيبته كبيرة و حتى لا يضايق أحداً ، فجلس ووضعها على ركبتيه

كانت ثقيلة و لكنه ثقل محبب ، فكلما ازداد الثقل كلما أشعره زاده ذلك سروراً

شرد فى أفكاره و فى الغد و فى المستقبل ، و لم يفق من شروده إلا على صوت السائق

--------

عبده : الأجرة جنيه و نص يا حضرات من قبل ما نتحرك
تتعالى همهمات اعتراض من الركاب
عبده : اللى مش عاجبه ينزل .. إحنا لسة فى الموقف
محمود : ليه يا اسطى ؟ ... إحنا كل يوم بنركب بجنيه و ربع
عبده : يا بيه البنزين غلى و الكارتة غليت
محمود : بنزين إيه اللى غلى يا اسطى هو إحنا مش عايشن فى البلد و لا إيه ؟
عبده : (متبرما) بقولك إيه يا بيه ... مش عاوز صداع اللى مش عاجبه ينزل ياخد عربية تانية

---------

جمال : خلاص يا جماعة ... مفرقتش كتير ... خلونا نخلص .. الجو حار

و بمجرد أن بدأت السيارة فى طريقها حتى عاد مرة أخرى إلى شروده ، حتى أفاق للمرة الأخيرة على صوت صراخ باقى الركاب فبدأ فى الصراخ معهم من قبل أن يعرف سبب ذلك ، فلما تبين السبب احتضن الحقيبة بشدة و كأنه يستمد منها الحماية ، أو هو يحاول أن يفديها بحياته ..

و لكن للأسف ، الحقيبة لم تستطع أن تنجيه من مخالب الموت التى كانت تنهش فيه

------------ ---

" تمام يا فندم "

رفع العميد التونى عيناه المرهقتين إلى الواقف أمامه فوجد أنه النقيب كريم

التونى : اقعد يا كريم ... فى أخبار ؟

كريم : فى أخبار مهمة قوى يا فندم

التونى : خير ؟

أخرج كريم بعض الأوراق من ملف يحمله ثم أشار إلى صورة فيه

كريم : عارف سيادتك الراكب ده

التونى : مش ده اللى كان حاضن شنطة الفلوس ؟

كريم : أيوه بالظبط يا فندم ... عارف طلع مين يا فندم ؟

التونى : طلع مين ؟

كريم : طلع النصاب اللى كنا بندور عليه من ست سنين

--------

نعم الحاج جمال رجل البر و الإحسان الذى لا تفارق المسبحة يده لص و مجرم و نصاب

و له طريقة فريدة فى النصب على الناس

كان يعلم جيداً أن المدن صعب فيها النصب على الناس ، ناهيك عن كثافة الأمن فيها ، ناهيك عن وعى الناس ، ناهيك طبعاً عن تعرضك و أنت النصاب الكبير لأن ينصب عليك !!

من هنا بدأ العمل فى القرى و الأرياف البعيدة ، ذات الناس الطيبين الذين يغلب عليهم السذاجة

فهذه أرض خصبة لم يعبث بها أحد قبله

فكان يذهب إلى البلد بشخصية محترمة ، و لأنه يعلم أن الفلاحين و الريفيين ينفرون من الغرباء فإنه كان يتصنع لهم و يتودد و يكثر من عمل الخيرات و يتبرع للمسجد و يصاحب شيخ الجامع و يصنع من الأشياء ما يكتسب به ثقتهم

و هكذا من عشر سنوات ، أى منذ كان فى الثلاثين من عمره و هو ينتقل من بلد إلى قرية إلى ريف

و كأنه نحلة يمتص رحيق الزهور زهرة زهرة

و ها هو منذ عشر سنوات كاملة لم يتم القبض عليه مرة واحد و ليس له ملف و لا يعرفه أحد من رجال الأمن

و كانت استراتيجيته الأولى و الأخيرة ألا يمكث فى بلد واحد أكثر من عام ، لأن المكث أكثر من ذلك قد يعرضه للخطر و قد جرب ذلك مرة و كاد أن ينكشف لولا أن بادر بالفرار

و ها هو ذا يثبت لنفسه أن هذه الاستراتيجية ناجحة مائة بالمائة

الاستراتيجية الثانية هى أنه بمجرد أن يستشعر الثقة فى الناس فإنه يبدأ فى العمل

فكان فى المرة الأخيرة قد تطور و نضج

فتقمص شخصية تاجر الموبيليا الذى يبيع بأرخص الأسعار و بالفعل ضحى ببعض المال فى أول الأمر

ثم بعد ذلك اشترى أرضاً حتى يثبت رسوخه فى البلد ، كما هى عادة الفلاحين

و حين اقترب موعد إنهاء تعاقده مع هذه البلد ، أعنى انتهاء العام الذى حدده لنفسه بدأ فى جمع غلته

فباع أرضه الواحدة ثلاث مرات بمساعدة جودة النصاب الذى لا تخلو منه قرية

و بدأ فى النصب على الناس بأخذ أموال موبيليا على أساس أنه سيشتريها لهم

و الكل يأمن له و يطمئن ... فكيف يشكون فى الحاج جمال

ده كلام برضه !!!

--------

أخرج له كريم صورة مرسومة باليد لجمال رسمها رسام الشرطة بناء على مواصفات الذين نصب عليهم جمال قبل ذلك

التونى : يا سبحان الله .... شوف نهايته كانت إزاى ... ياترى مسمى نفسه إيه المرة دى

كريم : لقينا معاه بطاقة قديمة مسمى نفسه فيها جمال

التونى : آه ... لازم تكون بطاقة قديمة عشان تزويرها سهل

كريم : الغريب يا فندم إن الفلوس مجراش ليها أى حاجة

التونى : سبحان الله .... أكيد فلوس ناس غلابة كان ناصب عليهم

كريم : فعلاً يا فندم

التونى : و عملت إيه ؟

كريم : بعت للبلد اللى ركب الميكروباص من عندها و سألنا عن أكبر ناس فيها فدلونا على شيخ البلد و إمام الجامع الكبير فبعت لهم و جم

التونى : و هما فين ؟

كريم : مستنيين بره يا فندم

التونى : طيب دخلهم بسرعة

أدخلهما كريم فأحسن العميد التونى استقبالهما و أجلسهما فى الأنتريه و جلس معهم مبتسماً بود

كانا ما زالا لا يعلمان شيئاً

التونى : أهلا و سهلاً

طبعاً كانا فى شدة القلق ، فهما فى مديرية الأمن ، و وجودهما هنا فى حد ذاته أمر مرعب

شيخ البلد : أهلا بسعادتك يا باشا

عواد : فى حاجة يا باشا كفى الله الشر

التونى : أبداً ... مش عاوزكم تقلقوا خالص .. إحنا جبناكم النهاردة عشان تتعرفوا على واحد

شيخ البلد : مين يا باشا

أشار التونى إلى كريم فأعطاه الملف فأخرج منه صورة جمال المرسومة ، و بطاقته

التونى : تعرفوا الراجل ده ؟

نظرا إلى الصورة بتدقيق ثم نظرا إلى بعضهما فى دهشة

عواد : آه طبعاً نعرفه

شيخ ابلد : أيوه ... دا الحاج جمال تاجر الموبيليا

التونى : الله يرحمه بقى

ينتفض الشيخ عواد و شيخ البلد و بسملان و يحوقلان

عواد : يا نهار أبيض ... مات .. مات إزاى؟

التونى : مات فى حادثة ميكروباص

عواد : دا كان معاه ميت ألف جنيه بتاعة الجامع .... لا حول و لا قوة إلا بالله

التونى : متخافش يا حاج عواد ... الفلوس موجودة و احمد لله

عواد : (يتنفس الصعداء ) الحمد لله ... و الله يرحمك يا حاج جمال ... ده مات شهيد يا باشا ... ده كان رايح يتشرى حاجات للجامع

ينظر التونى إلى كريم و يبتسمان

التونى : إحمد ربنا يا حاج عواد ... جمال ده كان نصاب كبير ... و كان ناوى يهرب بالفلوس لولا إرادة ربنا

نزل الخبر عليهما كالصاعقة ، فمن يتصور و من يتخيل أن يكون الحاج جمال الذى كان كالملاك الطاهر يكون فى النهاية نصاباً

عواد : لا إله إلا الله .... سيادتك متاكد يا باشا ....أكيد فى حاجة غلط

التونى : يا حاج عواد .. إحنا لاقينا معاه فى الشنطة إتنين مليون و ربعميت ألف جنيه

يخرج الحاج عواد منديلاً كبيراً يجفف به عرقه ، و أحس أن الحجرة تدور به ، فقام مستنداً على شيخ البلد و خرجا من الغرفة يشيعها العميد التونى ، الذى ما إن خرجا حتى جلس على مكتبه يفكر

سبحان الله ... كل أجهزة الأمن كانت تبحث عنه و كلها فشلت فى العثور عليه

الذى وجده هو الموت

ثم تذكر حديث قرأه فى البخارى و جال بخاطره الآن :

عن أبى موسى الأشعرى قال : قال النبى صلى الله عليه و سلم :" إن الله ليملي للظالم ، حتى إذا أخذه لم يفلته . قال : ثم قرأ : { وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد " .

--------

رفع راسه إلى كريم الذى ما زال واقفاً

التونى : إيه يا كريم ... فى حاجة تانى

كريم : أيوه يا فندم فيه حاجة مش حتصدقها سعادتك

التونى : خير يا كريم ... انت يومك كله مفاجآت النهاردة

ابتسم كريم و أخرج له صورة مشبوك فيها صورة بطاقة

امسك التونى بالصورتين و تمعن فيهما

التونى : شوقى ده من ضمن اللى كانوا فى الحادثة .. مش كده

كريم : تمام سعادتك يا فندم

التونى : و إيه ظروفه ده كمان ؟

كريم : مفاجاة رهيبة يا فندم مكناش نتوقعها

-------

ما هى هذه المفاجأة .... الله أعلم

إلى اللقاء مع راكب آخر



--------

الهوامش

--------

(1) طبعاً هذا حلف بغير الله لا يجوز و هو من الشرك الأصغر

(2) قراءة الفاتحة عمال عل بطال هكذا من البدع المستحدثات

(3) أيضاً مصافحة المصلين بعضهم بعضاً من البدع

(4) و هذا هو الشؤم بعينه ... أن تتم التعلية فى مآذن المساجد و كأنها مباراة بين المساجد

(5) منبر النبى صلى الله عليه و سلم كان ثلاث درجات و هذه المنابر الضخمة الفخمة هى على غير السنة

(6) وضع المال فى البنك حرام لأن البنوك تقوم على الربا
----
إلى اللقاء مع راكب آخر إن شاء الله تعالى

يتبع بإذن الله

No comments:

Engageya