اخبار الحوادث

Friday, June 12, 2009

قصة قصيرة عناق الحرية

قصة قصيرة عناق الحرية

عناق الحرية
وصل أنس إلي نهاية الشارع الذي يقطن فيه منذ أن عرف الحياة، فوجد المتاريس قد أقيمت لتسد مدخل الشارع الذي يؤدي إلي المسجد الأقصى، لقد اقترب موعد صلاة الجمعة، ولم يعد هناك من وقت كي يدقق الجندي في كل تلك الهويات التي تراصت أمامه في طابور يطول أكثر مما يقصر ، خاف أنس أن تضيع صلاة الجمعة ويضطر أن يصليها أمام الحواجز مثل مرات عديدة وقف فيها أمام الحواجز ،منذ أن عرف الخروج إلي الشارع وهو طفل صغير تحمله قدميه النحيلتين يومها قال في نفسه: لماذا هذا الشارع بالذات الذي يقيم له الحواجز دون عن الشوارع المقابلة ؟كان السؤال يصعب أن يجد له إجابة ممن حوله، ظنا منهم انه مازال صغيرا على هذه الأسئلة، حتى عرف بعضها وهو في المدرسة في كتاب التاريخ ،حيث طمست خريطة الوطن وصارت أثر من بعد عين ، وفي الشارع عرفها حيث يرى تلاميذ الجانب المقابل لا يضع في طريقهم أي حاجز عندها عرف أن الحي الشرقي هو المعني بالمنع من قبل سلطة الاحتلال الإسرائيلي، ألهبت الحقيبة ظهره من كثرة الانتظار، ولكنه لم يكن يملك سوي العودة في مرات عديدة آسف علي وضعه، وهو يلقي بنظرة إلى قبة الصخرة وهي شامخة في مكانها تطل علي المدينة العريقة، كمن وكل بحمايتها لا يكل عن الحراسة ليل نهار، ومع كل فجر يستمد منها الأمل في العناق الطويل الذي يمنحه الحياة عندما تتيح له الفرصة اللقاء والتبتل في محراب بيت المقدس،ككل مقدسي .
قال في نفسه وهو يتحسس أحجاره التي يجمعها في حقيبته كل صباح، ليمطرها وجه المحتل: لم تعد تجدي هذه الحجارة، وإن كانت من جدار المصلي المرواني.
وإن كانت تنجح محاولاته في صفع وجه المحتل بحجارته ويفر هاربا ترقص حقيبته فوق ظهره ، حتى عرفوه بينهم بصاحب الحقيبة، فيتحاشون وقوفه لمدد طويلة، أما الآن فهو قد صار شابا ولابد من أن يجد حجر آخر يمنحه الحرية في حركته ولا يمنعه من الوصول إلى المسجد تحسس جوازه بين يديه وأخذ يكيل له اللعنات كل صباح لأنه يحمل نجمة داوود وصورة ابن جريون قال في نفسه : لابد أن أحمله؛كي يمنحني بعض من هذه الحرية الزائفة؛ لكي لا أتعرض للتوقف كثيرا ككل الشباب الذي يأتي من الجنوب للعمل داخل مدينة القدس. وعلي الرغم من ذلك لا يمنحه الحرية داخل المدينة المقدسة،فقد طال انتظاره أمام الحاجز ، جاءت أخته يحملها زوجها وهي في مخاضها الأخير ولكن الحواجز مازالت مغلقة،حبات العرق تتدفق علي جبينها واصفرار لونها يزداد كلما اجتاحتها موجة الطلق، تخاف أن تصرخ فتكظم صرختها أنين في داخلها،نظرت إليها المجندة وهي ملقاة في حجر زوجها انتشى قلبها فرحا كلما رأت دموعها تنفطر مع كل طلقة تأتيها عندها تتمسك بأخيها فتهزه لتتساقط عليها نظرات الصبر والأخوة الحانية فترد عليه ببسمة تخرج من بين فكي الألم ، حرك العطف المتبادل بين أنس وأخته شجون المجندة فأخذها الموقف وأشعل في قلبها حاجات الشوق والحنان فلم يمسح جبينها احد منذ فترة لوت عنقها تجله جوزيف القابع أمام أجهزة المراقبة لعله يمنحها شيئا من ذلك لكنه لم يرفع رأسه تجاهه رغم توسلات نظراتها له وإشاراتها نحوه ، فارتدت علي عقبها لنفس المشهد حيث أنس يقف مفتول العضلات يرفع رأس قائمة نحو الآفاق ، يسع صدره كل هواء الشارع وقع نظرها علي عينيه، ارتعشت في داخلها، ضمت صدرها بزراعيها دقات قلبها تقفذ نحوه منفلتة من قبضتها ، قالت في نفسها : إن الشوق لا يعرف له جنسية ولا ديانة ،وهو اللغة الوحيدة ذات الأبجديات الثابتة بين البشر، آه لو ضمني لصدره العرض ، وملأ صدري دفء يخلصني من برودة جوزيف .
كانت نظرات أنس متعلقة بالمسجد القصي وهو يتحسس حزامه الذي أعده أمس وشده على وسطه، مرة ثانية التقت النظرات اعتصرت صدرها في حضنها قالت :لعله فهم الرسالة .
ربت انس على يد أخته قرأت في عينيه كل الأسرار التي تحملها عيونه ويخفيها عن الموجودين ، حاولت أن تمسك به قائلة له: إن ما في عينك كان في عين أبي ، لم يعد غيرك لي بعده ،من أهلي. لم يجبها بشيء،و انفلت من بين يدها ، حملت حملها وارتكزت علي زوجها قافلة إلي بيتها ،انتشت المجندة عندما وجدتها غادرت المكان وأخذ أنس يتجه نحوها استعدت بفتح زراعيها وتهيأت وفرشت صدرها اقترب شيئا فشيئا، تلاقت النظرات لمحت فيها ضياء شوق غير التي تنشده منه، ارتجفت ووضعت يدها علي مسدسها المعلق بحزامها، أسرع نحو الحاجز نحوها ،تأهبت في وضع استعداد ،عانق الحاجز ، يدوي الصوت ،يمطر صدرها المفترش بحجارة الحاجز المتناثرة ، فيروي عطش صدرها بحممه النارية .
التفتت أخته علي الصوت، تصرخ، تزغرد في آن واحد وهي تعبر فوق بقايا الحاجز نحو المسجد الأقصى، لينشد وليدها في باحته، تغريدة الحرية ....

تمت
عبد الله عبد الباقي أبو عيانة

No comments:

Engageya