اخبار الحوادث

Monday, June 8, 2009

الساعات الأخيرة قصة مسلسلة منفصلة الحلقات

الساعات الأخيرة

قصة مسلسلة منفصلة الحلقات

بقلم كل من :

ا. عماد حجاب

ا. يمنى حسن حافظ

د. أحمد مراد

الحلقة الأولى

بقلم ا. عماد حجاب

من أجمل ساعات اليوم هى الساعات الأولى التى تشهد غبش الصبح الأول الندى البهى ، ساعة البركة ، حيث تسمع صياح الديكة تؤذن لإيقاظ النيام ، و تسمع صوت العصافير تستأذن الصباح فى الخروج خماصاً لتعود كما وعدها ربها آخر اليوم بطانا .

و حيث ترى الأطفال الذين هم أجمل من الزهور و هم يسيرون إلى مدارسهم فى مستهل عمرهم و كأنهم السعادة نفسها .

و لكن للأسف الشديد هناك من يعتبر هذه الساعات الجميلة هى من أتعس ساعات يومه على الإطلاق

و كان من هذا الصنف الأسطى عبده

----------

من يرى عبده فى الصباح يرى عليه علامات غضب الله كما يقولون ، وجهه مكفهر و التكشيرة بادية على وجهه و لايطيق مجرد أن يلقى عليه السلام أحد ، حتى أن زوجته تتحاشى أن تظهر أمامه .

يجلس أمام عجلة القيادة فى الميكروباص و بيده كوب الشاى الثقيل و بين أصابعه سيجارة الصباح التى هى على الريق كما تقول زوجته .

دقيقتان ووصل صبيه التباع سيد الذى ينادونه سوستة على سبيل التدليل ، فاستقبله ككل يوم بقسط وافر من الترحيب ، و لكن طريقة الترحيب هنا تختلف بعض الشيء عن طريق ترحيب الناس الطبيعيين ببعضهم البعض .

كانت طريقة عبده فى الترحيب بسوسته – كل يوم – هى وصلة سباب و شتم متواصل بالأب و الأم و سب الدين و سب الملة و سب الصباح و سب السيارة و سب كل ما يرد بذهنه ، و يستمر على ذلك حتى يصل إلى موقف السيارات الأجرة الذى يعملون به .

كان عبده قد عمل فترة الخليج و لم يعد من هناك إلا بثمن هذا الميكروباص الذى يعمل عليه الآن و الذى يطعم به زوجته و ولديه و ينفق منه على مزاجه العالى

كان فى الخامسة و الثلاثين من عمره طويل جسيم ، قوى البنية ، على وجهه ندوب معارك كثيرة خاضها بسبب سوء خلقه و قلة مزاجه

و كان غير راض عن أى شيء و لا يعجبه أى شيء ، و كان ساخطاً حتى على ربه جل و علا ، دائماً ما تسمع منه هذه العبارة

عبده : ليه بس كده يا رب ؟!!

فى هذا اليوم وصل إلى الموقف مبكراً فنزل كعادته إلى المقهى (ليشرب حجراً ) ، و يعمل ( الاصطباحة ) على حد قوله مع صديقه الوحيد ((بدوى)) فى حين ينادى سوستة على السيارة حتى تمتلئ بالركاب

سوستة هذا أو سيد كان شاباً فى السابعة عشر من عمره ، يتيم ، له أم مسكينة تبيع الخضار و الفاكهة على ناصية الشارع الذى يعيشون فيه ، و قد اضطر أن يترك الدراسة ليعمل حتى يساعد أمه و ينفق على أختيه الصغيرتين .

لذا فقد كان يتحمل سخافات و قلة أدب الأسطى عبده حتى لا يطرده .

-----

سيد : مؤسسة عبود ... مؤسسة عبود ....مؤسسة عبود

كان هذا هو نداء سيد الذى يمسك فى يده بشطيرة فول هى إفطاره اليومى ، و بدأ أول الركاب فى الصعود إلى السيارة

أيمن

شاب جامعى ، وسيم ، طويل

----

أخذ عبده نفساً من الشيشة ، و ناولها لصديقه بدوى الذى أخذها من فم عبده و وضعها فى فمه ...

عبده : و بعدين .. حنعمل إيه ؟!!

بدوى : أنا عارف .... أنا اللى بسألك

عبده : خلاص بسيطة .... نرفع الأجرة بدل ما تبقى جنيه و ربع تبقى جنيه و نصف

بدوى : يا سلام !!

عبده : أمال إحنا اللى حنلبس الكارتة الجديدة ... نحملها على قفا الزباين

يناوله بدوى الشيشة فيضعها فى فمه

بدوى : لا يا عم لازم نقعد كلنا و نتفق ... عشان نبقى كلنا يد واحدة

عبده : يا جدع اسمع اللى بقولك عليه .... أنا حاطلع دلوقتى على الفردة بتاعتى و حاخد من الزباين جنيه و نص

----

سيد : مؤسسة عبود ... مؤسسة عبود ....مؤسسة عبود

و يصعد ثانى الركاب إلى الميكروباص

ابراهيم

عم ابراهيم ذلك الرجل العجوز ... الذى خرج على المعاش من خمس سنين

----

بدوى : تاهت و لقيناها

عبده : قول يا عم الفهيم

بدوى : إحنا نقعد واحد رابع فى الكرسى الأخير

عبده : أيوه ... عشان ييجى أمين رخم يرسم علينا .... و بعدين ده حمل على العربية

بدوى : يا عم خلى قلبك جامد

عبده : يا جدع دى راس مالى كله لما بتعطل بجوع أنا و العيال

بدوى : ما انت اللى إيدك مخرومة

عبده : أبداً و الله ... اللى جاى على قد الرايح

بدوى : آه اللى جى على قد الرايح على المزاج

----

سيد : مؤسسة عبود ... مؤسسة عبود ....مؤسسة عبود

و يصعد ثالث الركاب إلى الميكروباص

أمين

قصير ... يرتدى الجلباب و يضع فوق رأسه طاقية ... يبدو من مظهره أنه فلاح

----

عبده : يا عم مزاج إيه ؟ هو بقى فيه مزاج دلوقتى ؟

بدوى : أمال صارف كل فلوسك على إيه ؟

عبده : أصلك مشوفتش أيام العز .... أيام الحشيش ... الله يرحم دى أيام

بدوى : أمال دلوقتى فى إيه

عبده : فيه المخروب اللى بيخرب الدماغ ... البانجو ... منها لله الحكومة

بدوى : (يضحك ) ليه ... عشان مبتوزعش حشيش على بطاقة التموين ؟ !!

عبده : لأ بس تخف إيديها شوية عشان السعر ميضربش كده

بدوى : خلاص ... حابقى أكلمهم لك

----

سيد : مؤسسة عبود ... مؤسسة عبود ....مؤسسة عبود

و يصعد رابع الركاب إلى الميكروباص

محسن

موظف ... يرتدى بذلة كاملة فى هذا الحر ، و يمسك حقيبة سامسونيت

----

بدوى : الواد ابنك الكبير عنده قد إيه دلوقت

عبده : عنده ست سنين

بدوى : مش حتقدم له فى المدرسة ؟

عبده : يا عم مدرسة مين ... أنا شوية كده و حجيبه يشتغل معايا على العربية

بدوى : يا جدع ... حد يقول الكلام ده برضه ... إنت عاوزه يطلع زيك

عبده : و أنا مالى ... ما أنا زى الفل أهه

بدوى : قول زى الزفت ... زى الطين

عبده : ليه كده .. متخليك حلو أمال

بدوى : خليك إنت حلو و دخل ابنك المدرسة .. خليه يطلع محترم

عبده : ليه كده بس؟ ... يعنى أنا مش محترم و لا إيه

بدوى : ولا تعرف عن الاحترام حاجة

عبده : و الله انت اللى قفل .... و آخرة التعليم إيه ..يبقى موظف؟ ... حياخد كام ؟

بدوى : ياخد اللى ياخده ... على الأقل لما يتقدم لواحدة يتجوزها يبقى ملو هدومه

عبده : مش بيملى الهدوم غير الفلوس يا برنس

بدوى : الفلوس بس ؟

عبده : أمال إيه ... إنت عارف الواد سوستة يوميته كام معايا ... 25 جنيه ... مين موظف بيتحصل عليهم

بدوى : بس بيطفح بيهم الدم معاك طول النهار و بيشبع منك إهانات و شتايم

عبده : نافوخك بقى ... متصدعناش ع الصبح

----

سيد : مؤسسة عبود ... مؤسسة عبود ....مؤسسة عبود

و يصعد خامس الركاب إلى الميكروباص

جمال

تاجر .... سمين ... أصلع

----

يتلفت عبده ذات اليمين و ذات الشمال و كأنه يبحث عن أحد

بدوى : بتدور على مين ؟

عبده : مفيش

بدوى : انا عارف بتدور على مين ... على الواد حنكش المعفن

عبده : اسم الله عليك .... طول عمرك نبيه

بدوى : يا جدع حرام عليك صحتك... ، و فلوسك دى مش أولى بيها بيتك و عيالك

عبده : يا عم حد اشتكالك ... أنا مش مخلى بيته ناقصه حاجة ... و بعدين هو أنا حاشتغل زى الحمار فى الساقية ... ماليش مزاج و نفس أنا كمان ... و لا كل حاجة البيت و العيال

بدوى : مفيش فايدة فيك

عبده : أيوه ريحنا من مواعظك دى و حياة أبوك .... دى الحاجات دى هى اللى مخلية الواحد عايش و مستحمل القرف اللى احنا فيه

بدوى : يا جدع احمد ربنا ... عند عربيتك و شقتك و متجوز و مخلف و شغال عند نفسك محدش بيتحكم فيك ... عاوز إيه تانى .... بطل افترا

عبده : بطل انت بس رغى النسوان ده

-----

سيد : مؤسسة عبود ... مؤسسة عبود ....مؤسسة عبود

و يصعد سادس الركاب إلى الميكروباص

نادية

امرأة متبرجة سافرة تضع الكثير من المساحيق و تلبس ملابس ضيقة

-----

يصل حنكش و يرى عبده فيذهب إلى المنضدة الجالس عليها و يجلس فيرحب به عبده و يتمعر وجه بدوى

عبده : إيه يا حنكش ... فينك بقالك كام يوم

حنكش : أبداً ... كنت فى مصلحة

بدوى : الله يخرب بيت مصالحك دى ... متحل عنا يا بنى انت

حنكش : (يبتسم بسماجة) ليه كده بس؟ ... بكرة تحتاجنى يا عم بدوى

بدوى : ربنا يكفينا شرك انت و اللى زيك

حنكش : ( يتصنع الغضب ) طب يا عم سلامو عليكو

ينهض فينهض وراء عبده الذى ينظر معاتباً لبدوى

عبده : استنى بس يا حنكش ... حاقولك

يجلس حنكش على منضدة أخرى فيجلس معه عبده

حنكش : مش شايف صاحبك بيكلمنى إزاى ؟

عبده : سيبك منه ... جبت الأمانة

حنكش : أمانة إيه بس؟ ... دا أنا كنت محبوس اليومين اللى فاتوا دول

عبده : ( بضيق ) الله ... و بعدين ؟ أنا لسة حاستنى تانى

حنكش : اتقل بس ... معايا حاجة أحسن منها

عبده : ( بلهفة ) بجد ... معاك إيه ؟

يمسك بيده من تحت المنضدة و يضع فيها شريط حبوب مخدرة

عبده : ( منزعجاً ) إيه ده ؟ ... برشام ؟ ... لأ يا عم مليش فى السكة دى

و حاول إرجاعه إليه مرة أخرى ، و لكنه سحب يده

حنكش : إفهم يا جدع ... دا أحسن من اللى انت طالبه ميت مرة .... ده شغل البهوات

عبده : يا عم لا بهوات و لا بوابين .... خلينا فى اللى نعرفه

حنكش : يا جدع أنا عاوز أضبطك ... عاوز أنضفك

عبده : بلا تنضفنى بلا تحمينى يا عم دول بيقولوا بيلحس الدماغ

يضحك حنكش ضحكة شيطانية ساخرة

حنكش : شوف الجهل .... يا جدع أنا عمرى جبت لك حاجة وحشة

عبده : ....

حنكش : حقولك ... أنا حاطلع جدع معاك للآخر .... خده يا عم لو معجبكش متدنيش حقه

عبده : يا عم مش حكاية فلوس

حنكش : طيب ... اسمع الكازيون ده ... خد دى جربها

ثم يضع فى فمه حبة فيشرب عليها عبده جرعة ماء

------

سيد : مؤسسة عبود ... مؤسسة عبود ....مؤسسة عبود

و يصعد رجل و امرأة

زوجان ... مصطفى و كريمة

-----

ينتبه عبده إلى أنه قد ابتلع الحبة المخدرة و هو مقدم على قيادة سيارته

عبده : الله يخرب بيتك يا حنكش ... دا أنا طالع فردة دلوقتى

حنكش : يا جدع متخافش ... دى حتظبطك و تفوقك ... متخافش

عبده : حتفوقنى ... يا عم أنا عاوز حاجة تسطلنى

حنكش : دى للفوقان بالنهار ... فى حاجة تانية للسطل ... بس دى بتبقى بالليل

عبده : يعنى حاعرف أسوق ؟

حنكش : حتسوق و حتنبسط و تروش ... ادعيلى بقى

عبده : (يضحك ) أدعيلك ؟.. أقول إيه ؟ .. آه .. الله يخرب بيت أمك !

حنكش : ها ها ها ها

-----

سيد : مؤسسة عبود ... مؤسسة عبود ....مؤسسة عبود

يصعد ثلاثة رجال و فتاة

محمود : ممرض فى مستشفى التأمين بشبرا

اسماعيل : رجل فى الأربعين ... ملتح و مقصر و يبدو عليه سيماء الصلاح

عادل : شاب هادئ تبدو عليه الطيبة

منى ... طالبة ثانوى تلبس الخمار و القفازين

-----

ينصرف حنكش و يعود عبده إلى بدوى الذى تبدو عليه علامات عدم الرضا

بدوى : أنا مش قلتلك ميت مرة ابعد عن الواد بن الأبالسة ده

عبده : يا عم كبر دماغك بقى

بدوى : يا بنى السكة دى آخرتها وحشة

عبده : ( ساخراً ) حاضر يا عم الشيخ

بدوى : انت بتتريق ... مش فاكر الواد مرغنى ... مش فاكر لما مات بجرعة زيادة

عبده : ( ينفخ فى ضيق ) أففف ..يا عم متفتكر لنا حاجة عدلة أمال

بدوى : مبتشوفش مراته بتعمل إيه دلوقت ... ربنا يستر على ولايانا

عبده : ( ثائراً ) يا عم وفر كلامك ده بقى ... هو انت مبتزهقش؟

ثم يلتفت إلى سوستة و يصرخ فيه

عبده : متعلى صوتك شوية يا بن الـ .... ( يسب له الدين )... لسة العربية مكملتش يا بن ( يسبه بأمه)

-----

سيد : مؤسسة عبود ... مؤسسة عبود ....مؤسسة عبود

يندفع نحو السيارة رجلان و امرأة مسنة

شوقى ... محامى

علاء ... عاطل

أمينة .. امرأة مريضة مسنة

و لم يعد هناك إلا مكانان فيركب شوقى بسرعة ، و يدفع علاء أمينة بكتفه فتكاد تسقط على الأرض و يركب و لا يعيرها اهتمام

أمينة : يا بنى حرام عليك كنت حتوقعنى

لا يلتفت إليه و يهملها و كأنها لا تكلمه

أمينة : يا ابنى أنا با غسل الكلى و اتأخرت على دورى فى المستشفى

و لا كأنها موجودة أصلاً

يبدو الضيق على كل الركاب و تتعالى طقطقات الاستنكار

علاء : أنا كمان مستعجل يا حاجة

فيخاطبه الراكب عادل الشاب الطيب

عادل : يا أخى حرام عليك بتقولك عيانة

علاء : (بسماجة) متنزل انت وركبها ... و لا لازم تبقشش من جيبى أنا

يقوم عادل بمنتهى الشهامة من مكانه و ينزل للمرأة لتركب هى فتتمنع و يصر ثم أخيراً تركب و تدعو له كثيراً

و يذهب سيد إلى عبده يعلمه أن السيارة اكتملت فيودع بدوى و يذهب ليجلس إلى عجلة القيادة

عبده : الأجرة جنيه و نص يا حضرات من قبل ما نتحرك

تتعالى همهمات اعتراض من الركاب

عبده : اللى مش عاجبه ينزل .. إحنا لسة فى الموقف

محمود : ليه يا اسطى ؟ ... إحنا كل يوم بنركب بجنيه و ربع

عبده : يا بيه البنزين غلى و الكارتة غليت

محمود : بنزين إيه اللى غلى يا اسطى هو إحنا مش عايشن فى البلد و لا إيه ؟

عبده : (متبرما) بقولك إيه يا بيه ... مش عاوز صداع اللى مش عاجبه ينزل ياخد عربية تانية

و كالعادة و بالسلبية التى يعرف بها المصريون لم ينزل أحد و لم يعترض أحد و أخرج كل منهم المبلغ الجديد باستسلام و سهولة و دفعه و هو كاره

و ابتسم عبده فى ثقة فقد كان يعلم أن هذا هو الذى سيحدث ، و ابتسم أكثر حين تذكر هذه النكتة التى بعد أن تضحك عليها ملء شدقيك ثم تفيق ستجد فى نفسك رغبة فى البكاء و أن تسح دموع القهر

-----

ذات مرة رأى الحاكم أن الناس كلها خاضعة خانعة لا يعترض أحد و لا يتبرم أحد ، مهما حدث لهم فإنهم مستسلمون منقادون ، فنادى وزيره و اظهر له ضيقه من خنوع الناس و أنه كان يرغب أن يكون شعبه أكثر إيجابية ، يعنى على الأقل تخرج و لو مظاهرة واحدة تعترض على أى شيء ، حتى لمجرد أن يعلم العالم أن البلد فيها ديموقراطية .

فاقترح وزيره أن يقوموا بالضغط على الشعب حتى يخرج عن طوره و يبدأ فى الاعتراض ، و اقترح أسلوباً للضغط يتمثل فى فرض الحكومة رسوماً على صعود أهم كوبرى فى البلد و اكثرها ارتياداً ، فما كان من الناس إلا أن خضعوا و دفعوا و استكانوا ، فغضب الحاكم ، فاقترح عليه الوزير أن يفرض رسوماً على الهبوط من الكوبرى أيضاً ، فما كان من الناس إلا أن خضعوا و دفعوا و استكانوا أيضاً ، فاستشاط الحاكم غضباً و هدد الوزير بالعزل إن لم يحل هذه المشكلة . طبعاً يدرك هذا الحاكم أنه هو الذى قتل النخوة فى قلوب الناس .

بات الوزير سهراناً يفكر فى شيء فظيع يصنعه فى الناس حتى يخرجوا عن شعورهم و يبدأوا فى الاعتراض و المظاهرات ، فأمر رجال الأمن أنه بالإضافة إلى تحصيل رسوم الصعود على الكوبرى و تحصيل رسوم الهبوط يقف أحد رجال الأمن فيصفع كل واحد على قفاه قبل الهبوط من الكوبرى .

و بالفعل بدأ تنفيذ هذا الأمر ووقف الناس طابوراً طويلاً منتظرين أن يُصْفَعوا على قفاهم حتى يستطيعوا النزول من على الكوبرى ! ، و كان الوزير قد ذهب بنفسه يتابع الموقف فكاد يتميز من الغيظ لما رأى هذا الخضوع و الخنوع من الناس .

إلا أنه بعد وقت طويل سمع مواطناً يرفع صوته فى اعتراض واضح

المواطن : دى مش طريقة ... مينفعش كده ... ده أسلوب غير آدمى

طبعاً شعر الوزير بالانشراح و السرور ... أخيراً فى واحد عنده كرامة ، فأمر باستدعائه فأتوا به إليه فسأله فوجده صلباً جاداً !!

المواطن : يا فندم ده ميرضيش حد أبداً ... إحنا بقالنا ساعتين واقفين .. ورانا أشغال اتأخرنا عليها

الوزير : ( سعيداً ) طيب و إيه المطلوب ؟!

المواطن : ( بمنتهى الثورة ) يعنى يا فندم الحكومة كانت لازم تعين أكثر من واحد يدينا على قفانا عشان نخلص بسرعة و منتأخرش !!

طبعاً الوزير أصيب بجلطة ...

بعد أن تنتهى من الضحك .. إقرأها مرة أخرى لتعرف المغزى من ورائها

-------

بدأ سيد أو سوستة فى جمع الأجرة من الركاب الذين دفعوا فى استسلام و استكانة و رضخوا لطغيان هذا السائق ..

بدأت السيارة طريقها و خرجت إلى الطريق الدائرى ، و وضع عبده شريط تسجيل فى المسجل و رفع الصوت عالياً جداً بطريقة مستفزة حتى أن اسماعيل ذلك الرجل الملتحى كان يمسك فى مصحفه و يقرأ فيه فلم يستطع أن يكمل

و شكت كريمة لزوجها أن الصوت يكاد يصم أذنيها

مصطفى : لو سمحت يا اسطى .. وطى الصوت شوية

عبده : يا فتاح يا عليم ع الصبح ....

و لم يمد يده أو يخفض الصوت

فما كان من أمينة - المرأة الكبيرة – إلا أن طلبت منه أيضاً خفض الصوت ، و لكن لا حياة لمن تنادى

اسماعيل : يا اسطى لو سمحت وطى الصوت أنا مش عارف أقرا قرآن

عبده : (بوقاحة ) بقولك إيه يا عم الشيخ ... أنا دماغى مش فايقه لكم ... التسجيل بايظ و الصوت بتاعه كده ... مبعرفش أوطيه

بالطبع كان يكذب ، و لا أدرى لماذا يتعامل معظم السائقين مع الركاب بهذه السفالة و هذه العدوانية ؟

و فى النهاية سكت الناس مكرهين و لم يخفض صوت المسجل ، و اتسعت ابتسامته فى داخله فقد شعر شعور المنتصر مرة أخرى و قال يحدث نفسه :

عبده : شعب مبيجيش إلا بالضرب على دماغه

و كان يسير فى منتهى السرعة و تجاوز الحد المسموح له به ، و كان مندمجاً فى صنع (الغرز) كما يقولون و كأنه يخيط ثوباً

و كل ذلك حتى ينتهى من هذه الرحلة بسرعة ليدرك رحلة أخرى ، ظانا أنه بذلك سيحصل على مزيد من الرزق ، و نسى أن فى التأنى السلامة و أنه مسئول عن سلامة هؤلاء الناس الذن هم أمانة بين يديه ، و أن رزقه مقسوم و لن يزيد أو ينقص ..

و استمرت الرحلة ...

-----

بعد قليل شعر سيد أن شيئاً ما ليس على ما يرام

سأل الراكب الذى بجواره إن كان قد حدثه أم لا فنفى و أخبره أنه لم يحدثه

ثم شعر أن الدنيا تصطبغ بلون أخضر خفيف يزداد دكانة شيئاًَ فشيئاً

فهز رأسه حتى يزيل هذا الشعور ، و لكنه لم يزل

التفت إلى الراكب المجاور له ، كان أيمن الطالب الجامعى

عبده : بتقول إيه يا بيه ؟

أيمن : مفيش حاجة يا ريس ... أنا مكلمتكش

فنظر إليه عبده نظرة غريبة ، خاف منها أيمن

عبده : ( بلسان ثقيل ) هو كل مرة كده ... ماشى يا برنس ... بس المرة الجاية مش حفوتهالك !!

لم يفهم أيمن شيئاً و التفت إلى الراكب المجاور له فوجده أيضاً لا يفهم شيئاً

أنتم تفهمون طبعاً أن مفعول الحبة المخدرة قد بدأ فى السريان

بدأ عبده فى الانفصال عن الواقع رويداً رويداً ، و بدأ صوت المسجل المرتفع جداً و كأنه يأتى من بعيييد .

نظر إلى يديه فأحس أن كفيه الممسكتين بالمقود بعيدين جداً ، فنظر إلى أيمن و قال له

عبده : هو أن إيدى بعيدة قوى ليه كده ؟

أيمن : ( بعدم فهم ) نعم ؟

كان الصوت يصل إليه بطريقة صدى الصوت المتكرر و الصورة أمامه تزداد عتامة ، و كان عقله قد غلف بسحابة كثيفة من اللاوعى فلم يسمع أيمن

و فجأة زاد سرعة السيارة بطريقة انتحارية حتى كاد عداد السرعة أن يصرخ من الاعتراض

و شعر الركاب بأن فى الأمر شيء

كانت السرعة قد جاوزت المائة و أربعين و ما زالت تزداد

فقال له أيمن برعب ..

أيمن : إيه يا اسطى ... فيه إيه ؟

مصطفى : براحة شوية يا اسطى

كان سيد قد فهم الموقف ، و علم أن عبده خاضع لتأثير المخدر فهو رآه كثيراً و يعلم كيف يكون حاله حينها ، و لكنه لم يره فى هذه الصورة و هو فى أثناء القيادة ، فشعر بالقلق الشديد

سيد : متهدى شوية يا اسطى

يلتفت عبده و ينظر له نظرة خاوية شديدة البلادة ، فيرى الركاب هذه النظرة فيتملكهم الفزع

سيد : ( بخوف ) إركن يا اسطى .... إركن و أنا أسوق

عبده : هو مين اللى يسوق يا .... ( سب له الدين)

أدرك الناس خطورة الموقف فالسائق يسير بسرعة مائة و خمسين كليومتر الآن و خاضع بالكامل لتأثير المخدر فترتفع أصواتهم و تبدأ النسوة فى الهيستيريا

فيلتفت إليهم عبده مرة أخرى و يصرخ فيهم

عبده: فيه إيه ... مالكو ... و الله أنزلكو

طبعاً كانت هذه أمنيتهم الآن

اسماعيل : طيب نزلنا يا اسطى

عبده : طيب أنا كبرت فى دماغى بقى و محدش نازل ... و اللى ليه شوق فى حاجة يورينى نفسه ... أنا محدش يضحك على أبداً ... أنا قلت لبدوى الكلام ده ميت مرة ... هو اللى مبيسمعش الكلام

كان لسانه ثقيلاً جداً و يقود و هو يلتفت إلى الخلف و الركاب قد ألجمهم الرعب و شعروا جميعاً بدنوا النهاية .

و فجأة احتكت سيارتهم بسيارة أخرى ملاكى و ضربت المرآه الجانبية لها فحطمتها و لكنه كان منطلقاً كالصاروخ

فعلا صوت الناس المذعورة و صرخت النساء و دبت الفوضى فى السيارة ، كل هذا و عبده فى واد آخر

فمد سيد إل كتف سيد و هزها

سيد : إركن يا اسطى عبده ....يا اسطى عبده ... اركن

و لا حياة لمن تنادى ماتت رجله على البنزين و ماتت يده على المقود فأيقن الناس بالهلاك

وحانت من أيمن التفاته نحو عداد السرعة فوجد أن السيارة قد جاوزت المائة و ستين كيلو

و بالفعل حدثت المأساة ...

-----

بعد ساعتين كان الحال على الطريق الدائرى فى منتهى الفوضى

و كان رجال الأمن منتشرين بكثافة ، و كان رجال الأسعاف يعملون بطاقتهم القصوى

و بين كل هؤلاء وقف العميد التونى يحقق فى الحادث و كان قد استدعى أحد شهود العيان

التونى : اسمك إيه ؟

الشاهد : اسمى شوقى سعادتك

التونى : عاوزك تحيكلى على اللى شوفته يا شوقى

شوقى : أنا كنت واقف مستنى الميكروباص فوق الرصيف ، و فجأة لقيت الميكروباص ده جاى من بعيد زى الطلقة ، راح خابط فى جنب عربية نص نقل و راح داخل يمين لحد ماخبط فى الرصيف اللى كنا واقفين عليه و طلع عليه ، و لولا ستر ربنا كان موت حد فينا

التونى : و بعدين ؟

شوقى و بعدين راح خابط فى السور بجنب العربية و نزل تانى على الشارع و راح مقلوب ثلاث أربع قلبات ، كانت العربية النقل جاية بسرعة راحت دايسة على الميكروباص هرستة

نظر العميد التونى إلى السيارة المهروسة فعلياً و إلى الجثث التى رصت على الرصيف و جاء إليه مساعده يعلمه بانتهاءهم من عملهم

التونى : إيه الأخبار يا كريم

كريم : خلاص يا فندم حننقلهم على المستشفى

التونى : مفيش حد نجى ؟

كريم : للأسف يا فندم

التونى : لا حول و لا قوة إلا بالله ... ستة عشر واحد فى حادثة واحدة ؟

كريم : قضاء ربنا يا فندم ...سيادتك تأمرنا بحاجة ؟

التونى : جمعتوا كل أوراق الضحايا ؟

كريم : أيوة يا فندم ...

التونى : طيب ... خليهم يخلصوا و ينقلوهم للمستشفى بسرعة

كريم : أمرك يا فندم

و ينصرف كريم ليتابع عملية النقل و الإخلاء ، و يذهب العميد التونى إلى سيارته و يركب فى المقعد الخلفى ، و يأمر السائق بالرجوع إلى مكتبه ثم يشرد

كان العميد التونى قد رأى حوادث كثيرة ، و لكنه لم ير حادثة بهذا الحجم

و لأول مرة يهتز و يشعر بمشاعر مختلفة ... شعر بالخوف ... فقد كان قريباً جداً من هؤلاء الذين فارقتهم أرواحهم من ساعة أو ساعتين

كان على عكس المعروف عن رجال الأمن المميزين بالقسوة و غلظة القلب و البعد عن الله ، كان يخشى الله و يحاول أن يتقيه على قدر الإمكان ، لا يحب الظلم و لا التكبر و لا التربح من وظيفته و مركزه .

شرد ذهنه فى هؤلاء الذين رآهم مكومين لا حول لهم و لا قوة و قد غطاهم المارة بصفحات الجرائد

رأى الشاب الوسيم الذى هو فى مقتبل العمر ، و رأى الفتاة المحجبة و رأى المرأة العجوز و رأى الشيخ الذى فارقته الحياة و هو ممسك المصحف و رأى المرأة المتبرجة و قد لوث التراب وجهها الذى حرصت على تلطيخه بالمساحيق

ثم خطر له خاطر زلزل أركانه و جوانحه ، و جال بخاطره سؤال كاد له قلبه أن يتوقف ...

على أى شيء مات هؤلاء ؟ ، أين هم الآن ؟ ما حالهم مع ربه حين واتاهم القضاء ؟ ، هل ما يرد عليه كل منهم الآن خيرٌ مما تركه أم هو شر و العياذ بالله ؟

انتهى عملهم و ليس أمامهم إلا الحساب ، و بعد الحساب سينصرفون إلى أحد طريقين ، فهل يا ترى إلى الطريقين سينصرف كل منهم

تذكر الحديث الصحيح :" يبعث كل عبد علىماماتعليه "

فلو مات على توبة و عمل صالح بعث عليه و لو مات على معصية و فسوق بعث عليه

فكيف مات كل واحد منهم ،ما آخر شيء صنعه ، إلى أين كان كل واحد منه يذهب ، ما هى قصة كل واحد فيهم ...

و السؤال الأهم .... كيف كانت ساعاته الأخيرة

بالطبع كان علم ذلك خافياً على العميد التونى الذى ما زال عقله حائراً فى محاولة لإجابة كل هذه التساؤلات

و لكن لن يستطيع أن يصل لإجابه تشفيه لأنه لا يعلم شيئاً عنهم

أما نحن فسوف نعلم بإذن الله تعالى ، و سنعود بالزمن إلى الوراء أربع و عشرين ساعة الأخيرة فى حياة كل منهم

سنقترب منه و سنعرف كيف ختمت حياته و على أى شيء سوف يلقى ربه

فتعال معنا لنتعرف على الساعات الأربع و عشرين الأخيرة .. أو لنتعرف على الساعات الأخيرة

إن فى ذلك لعبرة لمن يخشى

إن فى ذلك لعبرة لأولى الألباب

-----

يتبع بإذن الله


الساعات الأخيرة

قصة مسلسلة منفصلة الحلقات

بقلم كل من :

ا. عماد حجاب

ا. يمنى حسن حافظ

د. أحمد مراد

undefined

الحلقة الثانية

نــادية

بقلم د. أحمد مراد

الرجال في بلادنا لا تحركهم إلا غرائزهم .. يقولون بأن المرأة ناقصة عقل لأنها تحكم عواطفها ومشاعرها قبل عقلها .. فما بالكم بمن تحركه غرائزه قبل عقلة ؟

لا تجعلي الرجل ييأس منك تماما فيهجرك .. ولا تعطيه كل شيء فيزهدك

نحن في عالم مادي بحت لا يكفي فيه العلم والأخلاق كي تستطيع أن تنال قسطا من الحياة المريحة .. لذا الغاية تبرر الوسيلة وما تكسب به .. العب به

تلك هي المباديء التي تؤمن بها نادية وهي المحرك الرئيسي لها

بالرغم من أن حظها من الجمال متوسط إلا أنها بكثير من المساحيق والصبغات تستطيع ابعاد العيون عن مواضع القبح بها وبهذا يعدها الكثيرين جذابة

وتعتمد في ملابسها على أن تجذب كل الأنظار اليها بطريقة أن ما خفي كان أعظم

تعمل ضمن طاقم سكرتارية ضخم بإحدي شركات القطاع الخاص .. بالطبع لا داعي لأن نقول بان مؤهلها الأكبر للتعيين في هذه الوظيفة كان أسلوب لبسها وزينتها

يعتمد عليها المدير كثيرا حين طلب التوقيع سريعا بلا نقاش من العملاء

فبمجرد دخولها حاملة للأوراق وابتسامه للعميل يفقد الكثير من توازنه وتركيزه ويصبح جل همه في أن يلفت انتباهها أو أن يفوز منها بدعابة أو ضحكة

عكس زميلتها هبة

خريجة كلية التجارة القسم الانجليزي .. الماهرة في آداء عملها والمخلصة بقوة فيه

يعتمد عليها المدير في كل الأعمال الجدية التي تكون مرهونة بمستقبل الشركة

و هي التي يستقدمها للعملاء الأجانب

أولا لأنهم جديون .. وقت العمل عندهم مقدس لا هزل فيه

ثانيا لأنها تجيد اللغة الانجليزية وتستطيع التعامل معهم ببراعة منقطعة النظير

وعلى النقيض من نادية

تتميز هبة بجمال رقيق وهاديء يزينها حجابها البسيط بايشارب ذوو ألوان متناسقة مع بقية ملابسها يظهر زوقها الرفيع في اختيارها

هبة ذات الصوت الخفيض والتي لا تستطيع ان تنظر لعين محدثها أكثر من ثانيتين

وتحرص وقت صلاة الظهر على الذهاب الى قاعة الاجتماعات وتتأكد من غلقها لتصليه وتصلي العصر بعد عودتها لبيتها

هي الأنثي الوحيدة التي تصلي الظهر بالشركة

وأربعة رجال يفترشون سجادتي صلاة بإحدى الطرقات ويؤدونها

وما دون ذلك .. تجد الجميع مكفهر الملامح جدي المظهر ودائما السير بالخطوة السريعة هو شعار كل من ينطلق بالشركة

.. (( والله ما هتتجوزي طول ما أنت مقفلة كده .. يا عبيطة إلحقي وقعي لك واحد قبل ما يفوتك القطر .. ))

قالتها نادية لهبة أثناء حوارها معها وهما عائدتين سويا من العمل

قالت لها هبة .. (( الزواج رزق يا نادية والرزق من ربنا يكتبه لمن يشاء .. ))

.. (( ونعم بالله .. وهو أنا قلت غير كده .. بس اسعي يا عبد وانا اسعى معاك .. قولي لي ازاي واحد هيعجب بيكي وأنت مش بتديله وش ؟ ))

.. (( والله لو هيعجب بيا علشان هاديله وش واضحك له بمسخرة يبقي مش عايزاه أنا عايزة واحد يعجب بأدبي وأخلاق لأن الأول مش هاكفيه وهيدور على غيري وغيري وغيري ))

.. (( أنت حرة خليكي زي ما أنت كده ولما تعنسي هتقولي ياما نادية قالت لي .. ))

بالرغم من أن هبة مقتنعة تماما من كل حرف نطقته لنادية

إلا أن كلام الأخيرة كثيرا ما كان يقع منها موقعا ..

فهي ترى بأم عينيها الكثيرين يتهافتون على نادية والتي تستثمر ذلك بشتي الطرق لنيل كل ما تريد

حتى ان عميلا ذات مرة أعطاها خط هاتف جوال هدية به مزايا لا تتوافر إلا لرجال الأعمال وبالطبع كان هذا الخط داخل جهاز جوال حديث للغاية

أما هي فتشعر بأن الجميع يتجنبها ويخشاها ويقولون عنها أنها غفير الشركة كما قالت لها نادية ذات مرة

حتى أن هبة كثيرا ما كانت تقف أمام المرآة للتأكد من تناسق ملامحها وجمالها

أما نادية فكانت تشعر بحقد دفين نحو هبة

ليس كراهية فيها فهبة مؤدبة معها ولا تصارعها

ولكن لأن هبة تظهرها وتشعرها بأنها شيطان و فاسقة داعرة

نادية مقتنعة بأنها محترمة لأنها لا ترخي الحبل على آخرة .. فهي تعطي بحدود ولا تتجاوز حد معين مهما حدث

حدثتها هبة ذات مرة بأنها تغضب الرب لأجل رضا العبد عنها وانبهاره بها

ردت عليها نادية قائلة .. (( يا بنتي هم يومين بس لغاية ما نوقع اللي عليه العين .. وبعد ما نضمنه في ايدينا نبقي نفوق لبيتنا ونتوب لربنا .. وربنا غفور رحيم .. مش كده ولا ايه ؟ .. ))

ولكن هبة دائما ما تذبحها قائلة .. (( طيب وانت ضامنة تعيشي لغاية ما تتوبي ؟؟ .. ))

ودائما ما تعطل عنها هبة الكثير من العطايا والعمولات

يأتي العميل ويكن كل أوراقه متوقفه يبحث بناظرية وعندما يجد نادية هي التي يبدوا عليها الاستجابة يتوجه اليه طالبا فقط إمضاء المدير لصرف شحنته حتى يحملها الي مخازنه ومراكز توزيعه وإلا سيخسر الكثير .. فهل ترضى أن يخسر ما يقرب من عشرة آلاف جنيه بسبب التأخر في الصرف ليومين ؟ .. ويقول بأنه يقبل خسارة ألف أما عشرة كثير

في تلميح الى المبلغ الذي ينتوى دفعه لو أنهت له أوراقه بسرعة

وقبل أن ترد نادية اذا بهبة تتدخل قائلة .. (( أوراقك لا يمكن إنهائها إلا بعد التأكد من رصيدك بالبنك حتى لا يتكرر ما حدث بالشحنة السابقة حينما وجدنا الرصيد غير كاف وتأخرت في السداد لشهرين متتابعين .. ))

ينظر اليها الرجل شذرا وتنظر اليها نادية بغل ولسان حالهما يقول .. (( وأنت مالك هو إحنا هناخد من بيت أهلك ))

اليوم فقط وجدت نادية ما تستطيع به إيقاع هبة

هي تعلم بان هبة متابع جيد للمسلسلات والأفلام

وكم من مرة قالت لها هبة بأنها تحلم بان تكون بطلة سينمائية محترمة تؤدي رسالة فنية هادفة فعلا بعيدا عن الابتذال

اليوم توصلت نادية عن طريق أحد العملاء الكبار الى مخرج إعلانات

وذهبت لتجربة الآداء

وكانت صدمتها حينما رفض المخرج وقال لها بأنها تصلح لأن تكون موديل في كليب

إنما لا تصلح لإعلان .. لأن الإعلان يعتمد على تسويق البضاعة بجمال حقيقي

أما الكليب يعتمد على الإثارة أكثر

وبرقت الفكرة في رأسها

أخبرته بأن صديقتها جميلة حقا فهل يقبل بأن يجري مقابلة لها ؟

وببساطة وافق الرجل

كانت نادية تشعر بخنجر حاد مزق أحشائها وبغصة في حلقها

لقد رفضها الرجل .. وهي لم تعتد على الرفض من أي رجل

ولكن عزائها أنها وجدت السبيل الذي تستطيع به أن تلين من عزيمة هبة وأن تجعلها تخلع قناع التدين والإحترام هذا

ذهبت نادية الى العمل بكل نشاط وحماس

ولأول مرة كانت مبكرة

وبالطبع وجدت هبة وحدها هناك تعيد ترتيب ملفاتها

جذبتها من يدها وقالت لها

.. (( تعالي فرصة عمرك ولو ضاعت منك يبقي نقول يا رحمن يا رحيم عليكي .. ))

ابتسمت هبة وقالت .. (( ايه .. عريس من اياهم عايز يقابلني بعد الشغل برضه ؟ ))

.. (( لا يا شاطرة .. فرصة تمثيل حقيقي في الفضائيات .. ))

اتسعت عينا هبة في دهشة ولم تكن مصدقة لما تسمع

فقد كان هذا حلم يراودها وفقط ولم تتوقع أبدا أن يكون حقيقة على أرض الواقع

فجلست وقالت لها باهتمام .. (( بتتكلمي جد؟ .. ))

.. (( وجد الجد كمان .. ها .. ناوية ولا هتعملي فيها ست الشيخة .. ))

هزت هبة رأسها وقد شعرت بدوار خفيف .. وقالت لها .. (( تمثيل ازاي يعني وفي ايه .. ))

.. (( هتبدأي زي الكل ما بدأ .. ممثلة اعلانات وبعد كده تتعرفي ويطلبوكي في الأفلام .. ))

كانت هبة تشعر بأنها تمسك بخيط واهي بشيء خيالي لم تلمسه من قبل فقالت .. (( إعلان عن ايه يعني .. ))

.. (( لا يا حبيبتي من أولها هتحققي .. أنت الأول هتروحي للمخرج يشوفك وبعدين يقرر أنت تنفعي ولا لا .. وبعد كده هتعرفي اعلانات ايه ))

.. (( بس أنا عمري ما هالبس عريان .. ))

.. (( والله براحتك .. أنت لو رحتي له كده يبقي وفري المواصلات وخليكي في بيتك .. على الأقل في أول مرة تروحي له كويسة تعجبيه .. ويتشد ليكي .. تعملي له شغل يعرف أنك أستاذة .. بعد كده تحطي شروطك .. إنما من أولها تتشرطي عليه تبقي مش لازماه وزيك زي ملايين غيرك .. الاول اعملي لنفسك قيمة .. ))

صمتت هبة تفكر كثيرا فيما قالته لها نادية

ولأول مرة لم تستطع الرد عليها

نجحت نادية بقوة أن تنتزعها مما هي فيه

فقالت .. (( بس ماما عمرها ما هترضى .. ))

.. (( يا بنتي دي أمك مش بتسمع غير إذاعة القرآن الكريم وبتنام زي الفراخ من المغرب .. يعني عمرها ما هتشوفك ))

.. (( أنا كمان عمري ما هاخرج من بيتي من غير حجاب ولا عندي لبس ينفع أصلا ))

تضحك نادية وقد وثقت بالنصر والفوز وقالت .. (( لا دي بقة خليها عليا .. هتيجي لي شبرا ألبسك وأروقك وتروحي ساعة زمن تخلصي المقابلة وترجعي عليا تغيري وتروحي تاني ))

كانت هبة تشعر بانها تنسلخ من كل دنياها في لحظة واحدة

فهزت رأسها بعنف وقالت .. (( لا مش عايزة شكرا .. مش هاعصي ربنا ))

.. (( يا بنتي أنت مجنونة .. دي فرصة بتيجي مرة في العمر لو ضاعت عمرها ما هترجع تاني .. انت بس روحي المقابلة وريه حلاوتك وجمالك .. ولما يوافق قولي له ممكن تخليني في اعلانات محجبة ؟ .. المهم يقتنع بيكي الأول .. ))

كانت رأس هبة تموج بعنف

لحظة تقتنع بكلامها

وأخري ترفض بعنف وتشعر كأنما ستتعري في ميدان عام

ولم تكف نادية عن الوسوسة لها وتذليل كل الصعاب التي تواجهها

وأخيرا قررت هبة أن تذهب فقط أول مرة ليراها وترى هي ما هي تلك الأجواء

وفي منزل نادية قامت هبة بتغيير أكثر من عشرة ملابس ونادية تنهرها وترفع صوتها موبخة لها في كل مرة لرفضها

وأخيرا استقرت على ثوب أسفل الركبة بقليل وليس ضيقا لحد الالتصاق

وتركت أمر المساحيق لنادية التي أخبرتها بأن هذا هو مجالها وميدان لعبها

وأخيرا خرجتا سويا الى المقابلة

كانت هبة تشعر بانها تسير عارية تماما

كانت كل العيون تنهبها بقوة

كانت تشعر بتأنيب ضمير لا مثيل له

وعلى النقيض من نادية كانت تتقزز من تلك العيون التي تتابعها .. وتتأذي منها

وهناك انبهر الرجل بها

وأخبرها بان جمالها ورقتها هذه سيجعلانها نجمة كبيرة ولها مستقبل باهر

قالت له هبة .. (( بس أنا عايزة .. ))

نهرتها نادية بقوة وشوشت عليها وقالت لها (( كل اللي انت عايزاه أكيد الباشا مش هيتأخر عنك في حدود المعقول .. ))

كانت تعلم بانها تريد أن تقوم بأدوار محجبة

فأخذتها الى جانب وقالت لها .. (( الرجل بيقول لك مستقبل وانت عايزة تقفليها من الأول اصبري لما تعملي أول اعلان ويعرف شغلك .. ))

وصمتت هبة ..

واذا بهاتف نادية يرفع صوته .. أمها أغمي عليها وتم نقلها للمستشفى ..

بثبات أعصاب قالت لهبة .. (( كملي أنت وخليكي مع الرجل .. ولما ترجعي هتلاقيني .. مفيش مشكلة ..))

همت هبة بان تنطلق معها ولكن نادية رفضت أن تضيع الفرصة

فقد صحبتها بصعوبة شديدة لا تستطيع تكرارها .. والأمل أن تنغمس فقط في أول عمل لأنها لو عادت الآن قد تفلت منها

فظلت تقنعها بأن الأمر بسيط وأنه لا يجب عليها تضييع الفرصة

وأخبرتها هبة بأنها تخاف أن تكون بينهم وحدها

فقالت لها نادية .. (( ليه العو هياكلك متخافيش مش هيلمسوكي دول بتوع شغل وبس .. ))

وانطلقت نادية لتركب السيارة العائدة الى المؤسسة شبرا ..

*****

طلب العميد التوني الجوال الذي كان بحقيبة المتبرجة التي كانت تستقل ميكروباس عبده المنكوب

وقال لكريم .. (( الوحيدة اللي مفيش معاها أوراق .. على الله يكون شغال ونعرف نوصل لأهلها منه .. ))

كان الجوال مغلقا .. فتحه وهو يبسمل داعيا الله أن يعمل .. ولحسن حظه أضاء وأخيرا أخذ يقلب في الليستة حتى وجد كلمة ماما

وطلب الرقم وهو يموج بانفعال عجيب

كيف يخبر أما أنها فقدت ابنتها هكذا في غمضة عين

وإن كان من البادي عليها أنها حتما ليست بارة بأمها مع كل هذا الكم من التبرج والزينة المبالغة فيها

رد عليه صوت هاديء وناعس

قائلة .. (( ألوو .. مين معايا .. ))

.. (( معاكي العميد التوني يا حاجة من قسم شرطة شبرا الخيمة ))

لأول مرة في حياتها تجد المرأة ضابطا ذو رتبة عالية يحدثها فارتعدت رغما عنها وقالت ..

.. (( يا ساتر يا رب .. خير يا خويا فيه حاجة ؟ ))

تنحنح العميد التوني وقال .. (( إحنا بنتصل بيكي علشان خاطر بنتك يا حاجة ))

.. صرخت السيدة في لوعة وقالت .. (( بنتي مالها دي في حالها وعمرها ما عملت العيبة .. ))

قال العميد التوني بعد تنهده .. (( البقاء لله يا حاجة بنتك ماتت في حادثة عربية وياريت تيجي لنا للتعرف عليها واتخاذ الاجراءات الرسمية .. ))

واخترقت صرخة السيدة أذني العميد التوني وهي تهتف قائلة .. (( بنتي .. هبة .. ))

ولم يسمع شيئا بعدها ..

****

من اللقطات التي فاتتنا ..

قول هبة لنادية ..

.. (( أنا عمري ما أقدر أقول لهم بياناتي الحقيقية ولا حد يعرفني ويشوفني في التليفزيون .. ))

تضحك نادية وتقول .. (( يا ستي ولا يهمك .. قولي لهم اسمك نادية على اسمي .. وصدقيني لو أمك شافتك في الاعلان عمرها ما هتعرفك مفيش حد بيركز إلا إذا أنت قلتي لهم قبلها .. ))

وهناك قامت هبة باسمها الفني الجديد نادية بعمل أول بروفة ..

وأعجب الرجل بها وأخبرها بأنها موهوبة

وخرجت من هناك وحدها بعد انصراف نادية وهي تشعر بسعادة غامرة

طريق المجد والشهرة يتمهد تحت قدميها

ولم تر نظرة ذئب بينهم هناك

فكلهم يتعاملون معها بمنتهي الاحترام

ولم يطلب منها أي شخص أي عمل خارج

فقط أمسكت بعبوة مسحوق غسيل بيديها وأخذت تهزهما ذات اليمين واليسار ضمن مجموعة أخري من الفتيات في مشهد سريع

استقلت الميكروباص ولم تشعر بتأخره في إكمال حمولته

لأنها كانت تسرح في عالم من الخيال

تتخيل نفسها بعد ذلك يتسابق اليه المخرجون ليعرضون عليها الأعمال وهي تختار أفضلها

وتصبح مثل فلانة وفلانة من المشاهير

ولأول مرة تشعر هبة أن نادية على حق فعلا في كثير مما تقول

لا ضير في قليل من التنازل بحساب حتى تصل إلى تحقيق أحلامك

المهم ألا تفعل الكبائر

الله عز وجل لا يغفر أن يشرك به

ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء

انطلقت السيارة وهبة في عالم آخر

ولم تفق من أحلامها الا على صرخات النساء وأصوات الرجال العالية التي تصيح بالسائق

وفجأة تبخرت كل أحلامها دفعة واحدة

لم تكن تتخيل أن كلمتها تتحقق معها بهذه السرعة

.. (( وانت ضامنة تعيشي لغاية ما تتوبي ))

يا للهول .. عاشت حياتها كلها محافظة .. والمرة الوحيدة التي تنازلت فيها تكن النهاية وهكذا خاتمتها

شعرت هبة بالانسحاق وعلى عكس الجميع لم تنطق بحرف

فقد شلت تماما

حتى وقعت الواقعة

-----

يتبع بإذن الله

No comments:

Engageya