اخبار الحوادث

Wednesday, June 10, 2009

قصة عم إبراهيم - بقلم ا. يمنى حسن حافظ

الساعات الأخيرة

قصة مسلسلة منفصلة الحلقات

بقلم كل من :

ا. عماد حجاب

ا. يمنى حسن حافظ

د. أحمد مراد

الحلقة الثالثة

عم إبراهيم

بقلم ا. يمنى حسن حافظ

.. (( عم ابراهيم........عم ابراهيم.......الباقى ))

انطلقت تلك الكلمات من فم ساميه فتاة السنترال الذى يقدم خدمات المحمول وهى تهرول خلف الرجل العجوز المسن الذى رغم سنه انطلقت قدماة بهمة ونشاط يهرول مسرعا وهو يحمل الشنطه البلاستيكيه الثقيله فى يده ......عسى استطاع ان يلحق موعده...

توقف وهو يتعجب ويقول : باقى ايه يا بنت يا ساميه؟؟

قالت : باقى الجنيه ياعم ابراهيم المكالمه بنص جنيه بس...!!

ضحك ابراهيم وقال بصوته الاجش: نص جنيه بحاله؟؟ والله اغتنيت يا هيمه....

ضحكت ساميه وهى تلوح له فقد كان اظرف رجل مسن فى سكان هذه المنطقه بكاملها........

عادت هى لداخل السنترال ...فى حين اكمل هو طريقه وهو يهز رأسه ويدس النقود فى جيبه ويقول فى همس :نص جنيه؟؟ يااااااه والله زمااااااااان يا جنيه...!!

وفى الشارع الضيق كان الشباب الذى قضى الليل ساهرا حتى الصباح الباكر فى النت كافيه العجيب بالمنطقه يقفون على الناصيه بجوار المحل ... يتبادلون السباب والمزاح الفج دون ادنى اعتبار للماره ..........يهرولون خلف بعضهم ويضربون بعض على سبيل التسليه.....جرى احدهم نحو عم ابراهيم وهو يهرب من صديقه الذى يهرول خلفه ويسب والدته بلفظ قذر.......يجرى بسرعه ...حتى انه كاد ان يدفع عم ابراهيم ارضا فكاد الرجل ان ينكفئ على وجه لولا السياره التى تقف وتسد نصف الشارع والتى استند عليها لكان الان على الارض مكسورا او مشروخا ...فما عادت عظامه تتحمل السقطات.......

نادا عم ابراهيم على الشباب وقال : تعالى يابنى.....عايز اسالك حاجه؟؟

فتقدم الشاب نحوه وهو ينظر لاصدقاءه وهم يشيرون اليه ويسخرون منه ...

فقال له عم ابراهيم : قولى يابنى...هى والدتك فين؟؟

تعجب الشاب من هذا السؤال فقال للرجل بسماجه : فى البيت ياحج...خير؟؟

قال له : هل هى فعلا كما يقول عنها صديقك؟

تلفت الشاب نحو صديقه الذى كان لا يزال يسب الشباب بكلمة تمس شرف الام..

فقال الشاب : هو بيقول ايه؟؟

فقال عم ابراهيم برصانه : بيقول انها اعوذ بالله.......بنفس اللفظ ال بيقوله ده...!!

فقال الشاب بغضب وانفعال : عيب عليك ياراجل....

وهم ان يسبه

فقال عم ابراهيم بحزم : بما ان امك سيده فاضله فما دخلها بمزاحكم ...لم ترضى ان يسبها اصدقاءك وبهذا اللفظ القذر؟؟الا تغير عليها ؟؟

عيب يابنى عليك امك تتعب وتخلفك وتربيك وفى الاخر تجيبلها الشتيمه وهى قاعده فى حالها فى بيتها...عيب ...

تركه الشاب وعاد متحمسا يقول لاصدقاءه :اخرس يا..........انت وهو والله ال هايجيب سيرة امى على لسانه هاقطعهوله....

ودبت بينهم مشاجره كالمعتاد من سكان هذا الشارع من الشباب...

فى حين اكمل عم ابراهيم طريقه وهو يحدث نفسه ويقول : جيل بايظ...ادى ال بنشوفه.......تربى وتتعب واخرتها تتهان...ايه يا عم ابراهيم....؟؟

دة يمكن تترمى فى الشارع كمان...عيال قلوبها حجرررررر

قالها وهو يخرج للشارع الرئيسى المزدحم بالبشر والسيارات والاطفال ذاهبون لمدارسهم .وهؤلاء الى اعمالهم ....فذكرة هواء الصباح بايام العمل فى شركته الحكوميه قبل خمس سنوات...

الان خرج عم ابراهيم على المعاش ....وظن انه سيمل ويضجر من جلسة المنزل ولكن بعد ان مرضت زوجته ...منذ ثلاث سنوات وهو يراعيها و يمرضها ....ويتابع العلاج بانتظام شديد...ويقضى اليوم فى شراء الطلبات للمنزل....واحيانا ينظف الخضار ......ويقف ليطهو لهما الطعام حين تكون زوجته فى حالتها السيئه....... ان هشاشة العظام تنهش عظامها بتلك الشروخ الكثيره وذلك المفصل للحوض الذى ركبته بجراحه والذى كان قد تحطم من جراء سقطتها وهى تتوضأ ....الى جانب السكر والضغط ومشاكل التهاب الكلى ...كما ان كسل الكبد يضيف خمولا اليها اكثر من المعتاد....

اما هو فحتى السكر لم يطرق باب جسده بعد...والضغط كما يقول له طبيب الـمركز الخيرى د\مؤمن فى المنطقه انه اكثر من ممتاز 140 على 90 وكأنه شابا فى الثلاثين من عمره.....فلم يبخل بجهده وصحته عليها وهى من افنت العمر تخدمه باخلاص؟؟

هى حبيبة العمر زوجته هذه....كم عاشا سويا ايام هانئه.....حتى قبل ان يرزقة الله بابنه .........كسا وجهه الحزن وهو يتذكر عصام....لقد انتظر هذا الولد لمدة ثلاثة عشر عاما ...ولازال ينتظره حتى الان وكأنما كتب عليه دوما ان ينتظره ....تذكر كيف لم تحمل زوجته علما بانهم سليمين معافين لا عيب فيهما من هذه الناحيه ...ولكن سبحان الله الذى يعطى وقتما يشاء........واصر الا يتركها والا يتزوج غيرها.....حتى مع الحاح والدته رحمها الله .....واعطاه الله جزاء صبره بعد طول انتظار قرة عينه عصام ...طفل ورث جمال امه وقوام ابيه ....وقال انه سيستند عليه حين يتقدم به العمر ويوهن ...قال انه من سيحمل اسمه من بعده ...وانه سيكون له العون والسند....

علمه ورباه ولم يبخل عليه طوال فترة عمله بالحكومه....اغدق عليه بكل شئ.... وجعله همه الاول والوحيد...حتى اصبح مهندساً ...يعمل فى اكبر الشركات ويقبض مبلغا يتعدا الثلاث اصفار بقليل ...وترك المنزل منذ ستة اعوام ويعيش فى شقته الخاصه بمدينة نصر...متحججا انها اقرب الى مكان عمله .... وكم من مره قال فيها انه يريد من والديه ان يتركا الشقه الضيقة التى لم تعد تليق بمستواه...وان المنطقه شعبيه جدا...والناس معاملاتهم صعبه فى هذه المنطقه الحقيره ...الخ من الكلمات السخيفه....والتى لا تنم الا عن تعالى وغرور ...

كان عصام يأتى اليهم بسيارته الفاخره التى اعطتها له شركته كجزء من التسهيلات لموظفيها .....ياتى كل يومين وتباعدت المسافه لتصبح مره كل اسبوع ...ولابد ان يتافف فى كل مره من ان الصبيه فى الشارع قد جرحوا دهان السياره الغالى فى المره السابقه....وان السيده جارتهم قد تركت الغسيل يقطر الماء فوق سقفها ...او انه لم يجد مكانا خالى من القمامه ليركن السياره فيه دون ان يتأذى من الروائح القذره .....يجلس نصف الساعه ثم يرحل بعد ان يترك لهم مبلغا من المال على المنضده فى الصاله...

قائلا :هذا للدواء لامى...لم اجد وقتا لاصرف الروشته لها ...

انه العمل يا والدى ......لا يعرف الرحمه...

فيضحك عم ابراهيم كل مره ويقول : كان الله فى عونك...صحيح الدنيا مشاغل

ولكنه فى قرارة نفسه يتمنى لو انه شده من اذنيه كما كان يفعل معه حين كان صغيرا يحفظ جدول الضرب ...وان يعنفه ويلومه وينصحه ويقول له : امك...ثم امك ...ثم امك...ثم ابيك..

ولكن لا يطاوعه لسانه........ولا يطاوعه قلبه....ولا تطاوعه نفسه الابيه .....

واليوم بعد ان تغيب عصام لمده عشرة ايام كامله ...لم يسمع فيها عم ابراهيم عنه شئ....ولم يأت ليرى والدته المريضه.....لم يحدثهم فى الهاتف حتى ليطمئنا عليه....وتقطع قلب امه للهفتها عليه وبكت كثيرا وطلبت منه الذهاب لرؤيه ابنهما الوحيد والاطمئنان عليه.......

واعطته بطاقة طبع عليها بخط مزخرف المهندس\عصام ابراهيم

وطبع عليها ارقام الهواتف الخاصه بالشركه ورقم محمول ......فأسرع يحدثه قبل اى شئ على هاتفه المحمول من عند ساميه فى السنتزال.....فهو لا يحب ذلك الاختراع العجيب المسمى بالمحمول ....ولم يفكر ان يحظى بواحد....ولم؟؟ فكل من يعرفهم لديهم هاتف فى المنزل ...

ثم من سينفع ساميه ؟؟

العجيب فى الامر ان عصام كان بصحه جيده...وتعجب من مكالمة والده وظن ان والدته توفيت او نقلت للمستشفى...

واتضح انه حصل على ترقيه ....فاصبح مشغولا بشكل اكبر وقال لوالده بالحرف الواحد : ماتتعبش تفسك يابابا وتيجى

انا مشغول جدا .... انا هاجى لزيارتكم فى "الويك اند" ال جاى

فرد عليه والده الطيب و قال له :ولا تجيب كيك بجوز هند ولا حاجه امك سكرها عالى ...بس تعالى وماتجيبش حاجه....

واغلقا الهاتف بعد مكالمة لم تكمل الدقيقه الواحده.....

وضع عم ابراهيم يده فى جيبة واخرج البطاقه مره اخرى......نظر بفخر شديد للبطاقه...وهو يرى اسم ابنه الوحيد يتوسطها ويزينها...وهز راسه قائلا:والله وبقالك كارت كمان يا ولد...بسم الله ماشاء الله كله من دعاء والدتك يا عصام...

ثم اضاف بمراره :بس لو قلبها يطمن عليك؟؟؟

فاجأه رجل يقف امامه ويقول بلهفه:انت تايه يا حاج؟؟ عايز تروح العنوان ده ولا ايه؟؟

ضحك عم ابراهيم ....وقال :تايه؟؟ هوانا شكلى ضايع اوى كده؟؟

تعجب الرجل وقال :اسف لقد وجدتك تشير الى بالبطاقه وتكلم نفسك ..فظننت.......معلش لامؤاخذه..

فقال له عم ابراهيم :يا سيدى كلنا فى الدنيا دى تايهين....المهم نوصل آخرتنا واحنا عارفين على فين رايحين....

قالها ومد يده فى جيبه يعيد البطاقه ويتحسس المال الذى به... نعم فمعه مبلغ 300 جنيه اليوم

اكان عصام يعتقد ان والده ياخذ تلك الاموال التى يلقى بها لهم كل زيارة ويصرف منهاعلى المنزل ؟ ؟؟

لا والحمد لله فالمعاش يكفى ...ولديه طبيب الوحده الخيريه د\مؤمن يعطيه كل شهر الدواء لزوجته من العينات المجانيه التى يحصل عليها ....

كان يجمع المال كل ثلاثة اشهر ويضيف عليه من ماله الخاص ويذهب لذلك الجزار الذى يذبح الجديان ويذبح عنده جدى او اثنين حسب المال المتوفر ويعبئ اللحم فى الاكياس ويعود محملا به لكل محتاج يعرفه..... نعم كان يخرج المال لله عسى ازاح الله الغمة من على عينيه وجعله يرى يشعر بحب والديه....

وقد اتم الذبح بالامس الحمد لله وبقى له بعض المال سيعطيه للست حسنات التى تحتاج لشراء اربعة بطاطين ...لها لابنائها هذا للشتاء..تلك الارمله التى تعمل فى تنظيف المنزل لسيده تسكن فى برج فاخر وهى تذهب عندها يوم واحد فى الاسبوع...طان البرج يقع آخر مترو ميدان المؤسسه خلف جامع الامام البخارى .......

اسرع الرجل الخطا فهو لايريد ان يتأخر على الموعد ....

لقد اعتاد ان يذهب ليعطيها ما فيه النصيب هذا اليوم بالذات حتى تستطيع هى ان تضع اللحم فى ثلاجة السيده التى تعمل عندها حتى الانتهاء من عملها لتعود مره اخرى لمنزلها فى الامام الشافعى ..حيث تسكن فى مقبرة مشتركه مع اسرتين آخرتين ....بعد ان انهار بيتها فى السيده زينب منذ سبع سنوات ومات زوجها تحت الانقاض تاركا لها ثلاث ابناء اصغرهم الان يبلغ الثامنه....

ماذايستطيع ان يفعل لها عم ابراهيم ؟؟

يساعدها على قدر استطاعته...فهى لا تريد مالا ..تريد طعام تسد به جوع اولادها ....

اخترق الصوت اذنه :مؤسسه ......مؤسسه .....عبووووووووووود

هرول ليلحق بالميكروباص وهو يدعوا الله الا يكون قد تأخر على الست حسنات ......فان تأخر سيضطر لان ينتظرها حتى آذان الظهر ....كما حدث المره السابقه وكاد اللحم ان يفسد ......

ركب السياره وهو يفكر فى حال الغلابه فى البلد

ليته يستطيع ان يفعل شيئا ازيد...فهذا قدر استطاعته يوزع اللحم على اكبر عدد ممكن

هذا عم ربيع الكناس الذى يعمل على نظافة الشارع....

.تلك عبير الفتاه اليتيمه التى تعيش مع جدتها فى حجرة فوق السطح فى حجرة خشبيه متهالكه ...

.وهذه السيده العجوز التى تعيش فى منزل من عبوات الكارتون وتلف نفسها ببطانيه قديمه وتجلس طوال النهار على الرصيف....

وهذا الرجل المبتور الساقين ...عم متولى كمسارى المترو الشهم الذى فقد ساقيه اثناء محاولته انقاذ امرأة تعثرت فوق شريط المتروالمتهالك ولم يستطع السائق ان يتوقف لعطل فى الفرامل ......

وهذه السيده فرحانه العجوز التى لابد وقد تخطت المائة عام لما يبدو عليها من انحناء شديد ووهن اشد...وتعيش وحيده فى حجرة تحت بئر السلم فى عمارة بالمنطقه ....

جلس يفكر فيما سيطهو طعام لزوجته اليوم؟؟

طالب التباع باجرة جنيها ونصف...

هز راسه وقال فى نفسه : نستاهل اكتر من كده....محدش بقى بيراعى ربنا..

واخرج الجنيه وبحث عن النصف جنيه الذى اخذه باقى من ساميه فوجده مدسوسا داخل الجيب....

ودفع الاجره مثل باقى البشر....فهو يريد الذهاب باسرع وقت ليلحق موعده ..........اخرج البطاقه التى تحمل اسم عصام مره اخيره ...وفكر فيه كثيرا...ياه لكم اوحشه ...!!

ثم سمع صوت الناس تصرخ فى السائق....مالهم يصرخون؟؟

تنبه لما يحدث....ولكنها كانت الانتباهه الاخيره....بعدها غامت الدنيا واغلق عينيه وهو يرى البطاقه تطير من بين اصابعه...وكل شئ ينقلب راسا على عقب.......وتصمت كل الاصوات.......

-----

No comments:

Engageya