اخبار الحوادث

Friday, September 18, 2009

قصص جاسوسية الجاسوسة التي ضاجعت مسئول الموساد في تل أبيب

الجاسوسة التي ضاجعت مسئول الموساد في تل أبيب

24/08/2008 01:48:00



في مدينة المنيا ولدت انشراح علي موسى عام 1937 لأسرة متوسطة الحال .. وبرغم التقاليد المتزمتة في ذلك الوقت دخلت الفتاة الصعيدية المدرسة وواصلت تعليمها حتى حصلت على الشهادة الاعدادية عام 1951. وبعد نجاحها بأيام قليلة أراد والدها مكافأتها فاصطحبها معه الى القاهرة لحضور حفل عرس أحد أقاربه. كانت انشراح ذات وجه مليح وعينان نجلاوان .. وجسد دبت به معالم الأنوثة وخرطته خرطاً. . فبدت أكبر كثيراً من سنها.. مما لفت الأنظار اليها واخترقتها سهام الباحثين عن الجمال. . فكانت تقابل تلك النظرات بحياء فطري غلف ملامحها مما أزادها جمالاً فوق جمال.

وفي حفل العرس اصطدمت نظراتها البريئة بنظراته.. فتملكها الخجل وتوردت خدودها للسلع لذيذ أحست به يجتاح مشاعرها.. فيوقظها من رقدتها.. معلناً عن مولد مشاعر جديدة غزت عقلها وقلبها لأول مرة.

كان فتاها الذي حرك فيها دماء الأنثى هو إبراهيم سعيد شاهين ابن العريش المولود عام 1929. . الذي ما غادر الحفل إلا وعرف عنها كل شيء. وبعد أيام قلائل فوجئت به يطرق باب بيتها في المنيا برفقته والده.. طارت انشراح من السعادة وحلقت بين السحب بخيالها تستطلع مستقبلها الهنيء. . فمنذ رأته في الحفل انغرس حبه بصدرها. . وباتت ليالي تحلم به وتترقب الليل لتسرح معه طويلاً. . وتطوف مع نظراته الحانية في عوالم الأمل. . والحبور. .وانزعجت الفتاة الصغيرة عندما اعترضت والدتها في أمر زواجها منه. . متحججة ببعد المسافة بين المنيا والعريش. . وبكت بحرقة وهي ترى أحلامها الوردية تكاد أن تحقق. . ثم سرعان ما تنهار في ذات الوقت .. دون أن تقدر على عمل شيء..وأمام عيونها الصامتة .. سألها أبوها: أتوافقين عليه يا ابنتي.. ؟فكان في صمتها إجابتها..وأعلنت الخطبة..

وفي أول حديث مع خطيبها صارحته بأنها أعجبت به مذ رأته في حفل القاهرة. . وازداد إعجابها به حينما سعى وراءها حتى المنيا ليطلب يدها.وأكد لها الشاب الولهان أنه تمناها زوجة له منذ النظرة الأولى.. ويومها عاهد ربه ألا تضيع منه أبداً..

وفي حفل أكثر من رائع انتقلت انشراح الى بيت الزوجية في العريش. . تحفها السعادة بحبيبها الذي أيقظ فيها مشاعر دفينة لم تكن تدركها. . وأرسل الى قلبها سهام الحب فأسلمت اليه نفسها.. وتدفقت موجات متلاحقة من الحب مع كل نبضة من نبضات قلبها الصغير.

كان إبراهيم شاهين يعمل كاتب حسابات بمكتب مديرية العمل بالعريش. . وهو أيضاً لم يحصل سوى على الإعدادية مثلها. . لذلك. . اتفق وانشراح على أن يواصل أولادهما تعليمهم حتى أعلى الشهادات العلمية. . وأصبح هذا الأمل هو هدفهما الذي يسعيان اليه ويعملان على تحقيقه مهما كانت الظروف.

ومرت بهما الشهور حلوة هنيئة تحفل بالبشاشة والانسجام. . فلم يكن إبراهيم يرى في الدنيا زهرة أجمل من وجه حبيبته. . ولا يسمع صوتاً أرق من صوتها. . ولا يظل عقله بمكانه كلما انفرد بها وهي ترقص له بملابسها الشفافة.. فهي تحب الرقص ويستهويها الجنس .. وهو يعشق هذا الجسد الذي يتلوى وينثني أمامه عارياً. . وتحول الجنس عندهما كالهواء، ماتا لو لم يتعاطيانه كل يوم. . إنه يطلبه منها صراحة. . وتطلبه هي تدللاً، وبنظراتها فوران من الرغبة كالجحيم. وكانا إذا ما أظلتهما سحابة حزن فسريعاً ما تنقشع. . حتى اشتهر حبهما بين الأهل والأقارب وبدا قوياً عتياً لا يقطعه الملل أو يضعفه الكلل.

وفي أواخر عام 1955 زرقا بمولودهما الأول 'نبيل'. . ثم جاء المولود الثاني محمد عام 1956، ثم عادل في 1958، فعظم حبه لها لأنها ملأت عليه الدنيا بهجة. . وملأت بيته بضجيج الأبناء الثلاثة. . وهكذا سارت بهما الحياة ترفل في أهازيج الفرح وأغاريد الوئام.

وفي عام 1963 – وكما اتفقا من قبل – أرسلا بأولادهما الى عمهم بالقاهرة ليواصلوا الدراسة هناك. . وليعيشوا حياة رغدة بعيداً عن مظاهرة البداوة وظروف الحياة الأقل حظاً من العاصمة.. وفي أكتوبر 1966 ضبط إبراهيم يتلقى الرشوة وحبس ثلاثة أشهر.. خرج بعدها ليكتشف مدى قسوة الظروف التي تمر به. . والمعاناة الشديدة في السعي نحو تحقيق آماله في الارتقاء والثراء.

وذات يوم من أيام التاريخ المكفهرة – اجتاحت إسرائيل سيناء واحتلتها في يونيو 1967 . . وأغلقت فجأة أبواب السبل أمام السفر الى القاهرة. . فتأزمت انشراح نفسياً قلقاً على أولادها. . وكانت كلما نامت تراهم في المنام يستغيثون بها فتصرخ وتستيقظ. . ويحتضنها الزوج الملتاع في حنان ويهدئ من روعها. . وإن كان هو الآخر لا يقل عنها قلقاً واشتياقاً لهم.

هكذا تظل انشراح تبكي معظم الليل والنهار حتى قارب عودها على الذبول.. وأوشك جمالها أن ينطفئ.. ووجد إبراهيم أن الحياة في العريش كما لو كانت في الأسر.. فالحزن يخيم على البيت الذي ما عرف إلا الضحك والفرح.. والمعيشة أضحت في أسوأ حال.. فمنذ الغزو وهو عاطل عن العمل لا يملك المال الذي يشتري به أبسط الأشياء.. كالشاي.. والشاي عند البدوي يعد من الضروريات الأساسية في حياته. . فاستعاض عنه إبراهيم بعشب بري يعرف باسم 'المرمرية' له مذاق طيب.. وأصبحت المرمرية مشروباً مستقلاً في بيته بعدما كانت وريقاتها تضاف الى الشاي كالنعناع.

وسط هذا المناخ كانت المخابرات الاسرائيلية تعمل بنشاط زائد.. وتسعى لتصيد العملاء بسبب الضغوط المعيشية الصعبة وظروف الاحتلال. . فالاحتلال الفجائي لسيناء وقع على سكانها كالصاعقة، فاختنقت نفوس الأهالي برغم اتساع مساحات الأرض والجبال. . ولكونهم ذوي تقاليد بدوية ومحبين للحركة والتجوال والتنقل، أحسوا بثقل الأمر ولم يطيقونه . . لكن الظروف التي وضعوا فيها اضطرتهم الى محاولة تحملها لثقتهم أنها أزمة لن تطول. لكن ما كان يحز في نفوسهم هو تضييق الخناق عليهم في المعيشة والتنقل.. فكانت التصاريح التي يمنحها الحاكم العسكري الإسرائيلي لا تتم بسهولة. . وأصبح السفر الى القاهرة يحتاج لمعجزة من السماء. فالتعنت في منح التصاريح بلغ منتهاه.. واشتدت عضات الغضب في الصدور.. الى جانب آلام الجوع التي تنهش الأبدان وتجتث الصبر والقوة.

- الأفعى النائمة :

ضاقت الحياة باتساعها على إبراهيم وانشراح في العريش.. وخلا البيت من الطعام والشراب والسرور. . وخيمت قتامة سوداوية على نفسيهما. . فازدادا يأساً وشوقاً الى الأبناء في العاصمة.. وأمام البكاء المستمر الذي تورمت له عينا انشراح. . اندفع ابراهيم الى مكتب الحاكم العسكري يطلب تصريحاً له ولزوجته بالسفر الى القاهرة.

ولما ماطلوه كثيراً بوعود كاذبة .. صرخ في وجه الضابط الاسرائيلي قائلاً إنه فقد عمله ودخله ولا يملك قوت يومه. . فطمأنه الضابط 'أبو نعيم' ووعده بالنظر في أمر التصريح في أسرع وقت. . وبعد حديث طويل بينهما حاول ابراهيم خلاله التقرب اليه لإنجاز التصريح. . أمر له أبو نعيم بجوال من الدقيق وبعض أكياس الشاي والسكر. . فحملها فرحاً الى زوجته وهو يزف اليها السفر الى القاهرة عما قريب.

استبشرت انشراح خيراً وغمرتها السعادة بما جاءها به، وغاصت في أحلامها وتخيلاتها باللقاء الحميم مع فلذات أكبادها. لكن الأيام تمر وأبو نعيم يعد ولا ينفذ .. ويعود إبراهيم في كل مرة محبطاً. . لكنه كان يحمل معه دائماً أكياس المواد التموينية التي أصبحت هي المصدر الوحيد للإعاشة.. ولولاها لمات جوعاً هو وزوجته.

وذات صباح فوجئ بمن يستدعيه لمكتب أبو نعيم.. فذهب اليه في الحال وقدم له الشكر على الإعانة الدورية التي يمنحها له.. فأخبره الضابط بأن الحاكم العسكي وافق على منحه تصريح السفر هو وزوجته..

تهلل وجه ابراهيم بشراً وقبل ظهر يده شكراً لله.. فباغته أبو نعيم وقال له بأن موافقة الحاكم العسكري جاءت بشرط أن يكون متعاوناً ويأتيه بأسعار الفاكهة والخضروات في مصر.. والحالة الاقتصادية للبلد بواسطة أخيه الذي يعمل بالاستيراد والتصدير.

أجاب إبراهيم على الفور أن الشرط بسيط للغاية. . فبإمكانه القيام بهذه المسألة خير قيام. . وأضاف بأنه سيأتيهم بأسعار السلع الاستهلاكية والبقالة والسمك أيضاً.. ولو أنهم أرادوا أكثر من ذلك لفعل.

عندئذ.. وضحت الرؤية للضابط الإسرائيلي.. فقد نجح ابراهيم شاهين في الاختبار الأول.. وكان عليه أن يتصرف معه حسبما هو متبع.. ويحيله الى الضابط المختص لإكمال المهمة.. فدوره ينحصر فقط في 'الفرز' لا أكثر.

وبينما ابراهيم وانشراح يحتفلان بالأمل الجديد الذي راودهما طويلاً.. توقفت سيارة جيب أمام المنزل، وطلب منه جندي أن يرافقه الى مكتب الأمن. . وهناك كان ينتظره ضابط يدعى 'أبو يعقوب' بالغ في الاحتفاء به بدعوى أن أبا نعيم أوصاه به خيراً. فشكره ابراهيم وأثنى على أبو نعيم وامتد بينهما الحوار لوقت طويل. . استشف أبو يعقوب بحاسته أن ابراهيم يدرك ما يبتغيه منه.. فطلب منه أن يذهب معه الى بئر سبع .. حيث المكتب الرئيسي للأمن المختص بالتعامل مع أبناء سيناء.

وفي بئر سبع استضافوه وأكرموه بكل السبل، ولوحوا له بإغراءات ما كان يحلم بمثلها يوماً. . نظير إغراقه بالنقود وتأمين حياته وذويه في العريش وافق إبراهيم على التعاون مع الإسرائيليين في جمع المعلومات عن مصر.. وتسلم – كدفعة أولى – ألف دولار في الوقت الذي لم يكن يملك فيه ثمن علبة سجائر.لم تكن تلك الإغراءات أو التهديدات المغلفة هي وحدها السبب الأول في سقوطه.. لكن تشريح شخصيته يعطينا مؤشراً عن استعداده الفطري للخيانة.. فلا يمكن لشخص سويّ أن يستسهل بيع نفسه ووطنه هكذا بسهولة.. لمجرد منفعة مادية مؤقتة.. فالمؤكد أن خلايا الخيانة كانت قابعة بين أنسجته منذ ولادته. . وكان يجاهد كثيراً حتى وجد لها منفذاً فأخرجها.

ففي بئر سبع تغير المشهد.. إذ تحول ابراهيم شاهين من مواطن يسعى للحصول على تصريح بالسفر الى القاهرة .. الى جاسوس لإسرائيل وعيناً لها على وطنه.تناقض شاسع بين الحالين يدعونا للبحث في تقلبات النفس البشرية التي لا يعلم سرها إلا خالقها..

أخضع الجاسوس الجديد لدورة تدريبية مكثفة تعلم أثناءها الكتابة بالحبر السري وتظهير الرسائل.. ووسائل جمع المعلومات من الأهل والأصدقاء. . درب أيضاً على كيفية التمييز بين الطائرات والأسلحة المختلفة.. واجتاز العميل الدورة بنجاح أذهل مدربيه. . فأثنوا عليه ووعدوه بالثراء وبالمستقبل الرائع. . وبحمايته في القاهرة حتى وهو بين ذويه . . فعيونهم في كل مكان لا تكل.

دربوه أيضاً على كيفية بث الإشاعات وإطلاق النكات السياسية التي تسخر من الجيش والقيادة .. الى جانب الاحتراز وامتلاك الحس الأمني العالي، ولقنوه شكل الاستجواب الذي سيتعرض له حال وصوله القاهرة من قبل أجهزة الأمن، وكيف ستكون إجاباته التي لا تثير الشكوك من حوله.

وعندما رجع الى بيته محملاً بالهدايا لزوجته وأولاده. . دهشت انشراح وسألته عن مصدر النقود .. فهمس لها بأنه أرشد اليهود عن مخبأ فدائي مصري فكافأوه بألف دولار. . ووعدوه بمنحه التصريح خلال أيام.

بهتت الزوجة البائسة لأول وهلة .. ثم سرعان ما عانقت زوجها سعيدة بما جلبه لها .. وقالت له في امتنان:

كانوا سيمسكونه لا محالة . . إن عاجلاً أم آجلاً. .فسألها في خبث: ألا يعد ذلك خيانة .. ؟فغرت فاها وارتفع حاجباها في استنكار ودهشة وأجابته: مستحيل . . كان غيرك سيبلغ عنه ويأخذ الألف دولار. . أنت ما فعلت إلا الصح.غمغم ابراهيم كأنه مستاء مما فعل وأضاف: لقد عاملوني بكرم شديد. . ووعدوني بالكثير بسبب إخلاصي.. وتعهدوا بحماية أهلي وأقاربي إذا ما تعاونت معهم في القاهرة . .صرخت انشراح في هلع: تعاونت معهم في القاهرة .. ؟ يانهار اسود يا ابراهيم .. كيف .. ؟وهي يغلق فمها بيده:

طلبوا مني موافاتهم بأسعار الخضر والفاكهة في مصر نظير 200 دولار لكل خطاب. أذهلها المبلغ فسرحت بخيالها وألجمها الصمت ثم قالت له فيما يشبه الهمس: أنا خائفة.جذبها الى صدره واحتضنها بقوة وأخذ يردد:

أنا لا أملك عملاً الآن وليس لي مورد رزق. . وبالمعلومات التافهة التي طلبوها سآخذ الكثير وسنعيش في مأمن من الفقر. . ثم إنني لست عسكرياً حتى أخاف على نفسي. . ولأنني رجل مدني فمعلوماتي ستكون هزيلة ولن تفيدهم بشيء.وظل الثعبان ينفث السم الزعاف في أذني زوجته حتى هدأت.. وشمل المنزل سكون لا يقطعه الا صوت ارتطام الرغبة .. وتصادم جسدان يلهثان بفعل رعشات الشوق وحرارة اللقاء.

وبعدما هدأت الأنفاس وجف العرق. . وارتمت الأعضاء تتوسل الراحة .. لامست بخدها خده . . ولفح وجهه شعرها الكث الناعم الرطب. . وأعلنت المفاجأة التي شلت تفكيره. . وتركيزه أيضاً. .

قالت له إنها لكي لا تكون قلقة خائفة . . يجب أن يطلعها على رسائله أولاً بأول. . وأن تقوم بشطب أية معلومات لا داع لإرسالها لهم.

ولما وافقها ابراهيم على الشرط النهائي لموافقتها. . نامت قريرة العين تتوسد ذراعه. . واستغرق هو في تفكير عميق .. بينما أنفاسها المنتظمة الرتيبة تشبه فحيح أفعى تتربص بفريستها.

- أفضل تغطية :

في 19 نوفمبر 1967 وصل ابراهيم وانشراح الى القاهرة بواسطة الصليب الأحمر الدولي .. فمنح سكناً مجانياً مؤقتاً في حي المطرية .. ثم أعيد الى وظيفته من جديد بعدما نقلت محافظة سيناء مكاتبها من العريش الى القاهرة.وبعدما استقرت الأمور قليلاً. . انتقل ابراهيم الى حي الأميرية المزدحم .. ومن خلال المحيطين به في العمل والمسكن . .بدأ في جمع المعلومات وتصنيفها.. وكانت زوجته تساعده بتهيئة الجو الآمن لكتابة رسائله بالحبر السري.. وكثيراً ما كانت تعيد صياغة بعض الجمل بأسلوب أفضل .. وتكتب أيضاً حياتها الى الموساد على أنها شريكة في العمل. . واعتاد ابراهيم أن يختتم رسائله بعبارة: 'تحيا اسرائيل العظمى . .موسى'.

ولأجل التغطية اتجه الى تجارة الملابس والأدوات الكهربائية .. وبواسطة المال والهدايا كان يتغيب كثيراً عن العمل غالبية أيام الأسبوع، ولشهور عديدة تواصلت الرسائل الى روما مزدحمة بالأخبار .. مما حدا برجال الموساد الى دعوته الى روما لاستثمار هذا الثنائي الرائع في مهام أكثر أهمية ..

وفي أغسطس 1968 وتحت ستار التجارة لا أكثر . . أبحر الثعبان والحية الى لبنان. . ومنها طارا الى روما حيث التقيا بمندوب الموساد الذي سلمهما وثيقتي سفر إسرائيليتين باسم موسى عمر ودينا عمر .. وعلى طائرة شركة العال الاسرائيلية طارا الى مطار اللد. .

كان استقبالهما في إسرائيل بالغ الحفاوة والترحيب . . إذ عوملا معاملة كبار الزوار. . وأنزلا بفيلا خيالية في تل أبيب مكثا بها ثمانية أيام .. حصلا خلالها على دورة تدريبية مكثفة في تحديد أنواع الطائرات والأسلحة .. والتصوير الفوتوجرافي.. وجمع المعلومات .. ومنح ابراهيم رتبة عقيد في الجيش الاسرائيلي باسم موسى . أما انشراح فقد منحت رتبة ملازم أول باسم دينا.

وفي مقابلة مع أحد القيادات العليا في الموساد .. أكدت إنشراح على ضرورة زيادة المكافآت لاشتراكها في العمل يداً بيد مع ابراهيم. . ووصفت له صعوبة جمع المعلومات ما لم يشتركا معاً في جمعها وتصنيفها .. وأفاضت في سرد العديد من الحيل التي تقوم بها لانتزاع المعلومات من العسكريين الذين صادقهم زوجها ويجيئون لمنزلهم.. ومن ذلك أنها تعلن بمرارة مدى كراهيتها للإسرائيليين وتنتظر يوم الانتقام منهم .. ولأنهم يتحدثون مع امرأة جميلة سرعان ما تنفك عقدة ألسنتهم . . وتخرج الأسرار منهم بسهولة . . خاصة والخمر تدغدغ الأعصاب وتذهب بالعقل.

ونظراً لأهمية المعلومات التي حصلوا عليها من خلال الجاسوس وزوجته. . فقد قرروا لهما مكافأة سخية وأغدقوا عليهما بآلاف الدولارات التي عادا بها الى القاهرة .. حيث استغلا وجودهما وسط حي شعبي فقير في عمل الصداقات مع ذوي المراكز الحساسة من سكان الحي. . وإرسال كل ما يصل اليهما من معلومات الى الموساد فوراً..

لقد برعا خلال حرب الاستنزاف – 1967 – 1970 – في التحليل والتصنيف، وتصوير المنشآت العسكرية أثناء رحلات للأسرة بالسيارة الجديدة فيات 124.يقول الابن الأصغر عادل في حديث نشرته جريدة معاريف الإسرائيلية عام 1997:'لن أنسى ذلك اليوم الملعون من صيف 1969 طيلة حياتي . . فقد استيقظت مبكراً على صوت همسات تنبعث من حجرة نوم والدي. . كان أبي وأمي مستغرقين في نقاش غريب. .وكانت أمي تمسك في يدها حقيبة جلدية بينما كان أبي يحاول إدخال كاميرا الى داخلها لم أر مثلها من قبل في ذلك الحين.كانت أمي غاية في العصبية وقالت له: لا ليس كذلك. . هكذا سيرون الكاميرا. فأخرج أبي الكاميرا وأدخلها مرات ومرات الى الحقيبة.. فجلست أنظر اليهما وهما يتناقشان . . ثم قال لي أبي: نحن ذاهبون الى رحلة الى الاسكندرية.وخلافاً لنا نحن الأولاد الذين سعدنا جداً بالقيام بهذه الرحلة . . كان الوالد والوالدة غاية في القلق. . ولم أرهما متوترين الى هذا الحد من قبل.

أخذ أبي يتصبب عرقاً كلما ابتعدنا عن القاهرة، الى أن بلل قميصه تماماً كلما ابعتدنا أكثر فأكثر من القاهرة. وكان يتبادل الكلمات مع أمي بصعوبة، وصمتنا نحن أيضاً لشعورنا أن هذه الرحلة ليست ككل رحلة.

وفي تلك الفترة كانت هناك قواعد عسكرية ومصانع حربية كثيرة متناثرة حول الطرق الرئيسية في مصر. لم تخف السلطات شيئاً. ربما كنوع من استعراض القوة. وعندما بدأنا في الاقتراب من إحدى القواعد العسكرية أخرجت أمي الكاميرا وأمرها أبي قائلاً: 'صوري . ياللا صوري . . صوري'. فقالت له وأصابعها ترتعش: 'سنذهب الى الجحيم بسببك'. وحركت أمي الجاكيت المعلق على النافذة وبدأت في التصوير، وامتلأت السيارة الصغيرة بصرخاتها الممزوجة بالخوف. فأجابها أبي بنفس اللهجة: 'هذه نهايتنا'. واستمرت أمي في احتجاجها قائلة: 'سنذهب الى السجن'. وفي النهاية نظر أبي اليها بعيون متوسلة: 'عدة صور أخرى. . فقط عدة صور أخرى'.

وحاول 'محمد' أن يسأل ما الذي يحدث لكن الرد الذي تلقاه كان 'اسكت' فلم نسأل أية أسئلة أخرى بعد ذلك.

عدنا للبيت سعداء في ذلك اليوم. وعلى الفور أغلق أبي حجرته على نفسه وبعد فترة طويلة خرج وعانق أمي وقال لها: 'يا حبيبتي لقد قمت بالتقاط صور رائعة للغاية'. وبكت أمي وقالت له: 'الى هنا يجب أن نشرح الأمر للأولاد'. وكنا ما زلنا في صدمة وغير مدركين لهذه الجلبة التي تحدث.

وتحولت الرحلات الأسرية في أنحاء مصر الى روتين. . وكنا نخرج في نهاية كل أسبوع وكنا نسافر الى الأقصر، وأسوان، ليس هناك مكان لم نذهب اليه.. وأحياناً كان أبي يحصل على إجازة في وسط الأسبوع وكنا نسافر لعدة أيام. . وقد صورت قواعد ومنشآت عسكرية في مصر. . وكان أبي يسجل عدد الكيلو مترات في الطريق. . وبذلك يحدد موقع المصانع والقواعد العسكرية. . وكنا نحن الأولاد أفضل تغطية'.

- ضمان الولاء :

تعددت زيارات ابراهيم وانشراح الى روما. . بعضها كان باستدعاء من الموساد.. والبعض الآخر كانت لاستثمار عشرات الآلاف من الدولارات التي حصلوا عليها من جراء عملهما في التجسس.

وفي إحدى هذه الزيارات.. قررا إشراك ولديهما لزيادة الدخل بتوسع حجم النشاط. . ولم يكن من الصعب عليهما تنفيذ ما اتفقا عليه..

يقول الابن عادل في حديثه المنشور بجريدة معاريف: 'عاد أبي وأمي ذات مساء من روما يحملان لنا الملابس الأنيقة والهدايا. . وأحسست من خلال نظراتهما لبعضيهما أن هناك أمراً ما يجري الترتيب له وعرفت الحقيقة المرة عندما أجلسني أبي قبالته أنا وأخويّ وقال في حسم:

مررنا كثيراً بظروف سيئة.. لم نكن نملك أثناءها ثمن رغيف الخبز.. أو حفنة من الملح.. والآن نعيش جميعاً في رغد من العيش. . ويسكن حوالينا أولاد في عمركم يحيون جوعى كالعبيد. . أما أنتم فتنعمون بكل شيء كالملوك. ولم تسألوني يوماً من أين جئت بكل هذا.. ؟

إن عملي في الحكومة .. وتجارتي أنا وأمكن وشقائي طوال تلك السنوات لم يكن هو سبب النعيم الذي نحن جميعاً الآن. . والحقيقة .. أن هناك أناساً يحبوننا للغاية.. وهم هؤلاء الذين يرسلون لنا الهدايا والمال. . وبفضلهم لدينا طعام طيب وملابس جميلة.. إنهم الاسرائيليون. . وهم الذين أنقذوا حياتنا من الجوع والضياع. . وأمنوا لنا مستقبلاً مضموناً يحسدنا عليه كل من نعرفهم.حدث ذلك في صيف 1971، وكنت وقتها في الثالثة عشر من عمري، وكان أخي نبيل يكبرني بعامين تقريباً وأخي محمد بعام واحد.

وكطفل . . لم أعر الأمر أهمية خاصة . . لحقيقة أن أبي 'يعمل' مع الاسرائيليين.. ومثل كل الأولاد. . كنت قد كبرت وتربيت على كراهية اليهود. . لكن في البيت تلقيت تربية أخرى . . فقد عرفت أن الاسرائيليين هم المسؤولون عن الطعام الذي آكله. . وعن الملابس الجديدة التي أرتديها. . وعن الهدايا التي أتلقاها. . لذلك .. سعدت لأنني كنت محظوظاً.

وكلما كبرت .. بدأت أدرك معنى 'عمل' أبي .. وبدأ الخوف ينخر أكثر وأكثر في عظامي. . فقد كانت كماشة من الموت تطبق علينا. . وكفتى بالغ أدركت أنهم لو ضبطونا سيتم شنقنا.. من ناحية أخرى كان الخوف من حياة الفقر يصيبني بالشلل. . فقد كنت ملكاً لديه كل شيء'.

هكذا انخرطت الأسرة كلها في التجسس. . وأصرت انشراح على الانتقال من الحي الشعبي الفقير الى آخر رقياً وثراء. . وعندما عارض زوجها قالت له: دعنا نستمتع بالحياة فربما ضبطونا.

وفي النهاية انتقلوا الى فيلا فاخرة بمدينة نصر.. ونقل نبيل ومحمد وعادل مدارسهم الى الحي الراقي الجديد.

احتفظ ابراهيم شاهين بعلاقاته القديمة وأقام أخرى جديدة. . وامتلأ البيت مرة أخرى بالأصدقاء من رجال الجيش والطيارين. . وتحول أولاده الى جواسيس صغار يتنافسون على جلب المعلومات من زملائهم أبناء الضباط في المدرسة والشارع. . ومناوبة الحراسة ريثما ينتهي أباهم من تحميض الأفلام. . فكان نبيل يتولى المراقبة من الخارج. . وعادل من داخل البيت . . وحصل نبيل على أدوار أكثر جدية.. فكان أبوه يسمح له بكتابة الرسائل بالحبر السري وتظهيرها. . وصياغة التقارير وتحميض الصور.

وذات مساء بينما هم جميعاً أمام التليفزيون . . عرض فجأة فيلم تسجيلي عن أحد الجواسيس الذي انتهى الأمر بإعدامه شنقاً.. وطوال وقت عرض الفيلم انتابتهم حالة صمت تضج بالرعب والفزع. . واستمروا على تلك الحال لأسابيع طويلة.. امتنعوا خلالها عن كتابة التقارير أو الرسائل. . حتى تضخم لديهم الخوف وأصيبوا بالصداع المستمر.. ومرض ابراهيم فاضطرت انشراح للسفر وحدها الى روما تحمل العديد من الأفلام. . خبأتها داخل مشغولات خشبية.

كانت الرحلة الى روما منفثاً ضرورياً للخروج من أزمتها النفسية السيئة.. وفي الوقت نفسه لتطلب من رجال الموساد السماح لهم بالتوقف عن العمل. . فلما التقت بأبو يعقوب ضابط الموساد الداهية. . قصت عليه معاناتهم جميعاً ومدى الخوف الذي يسيطر على أعصابهم.. فطمأنها الضابط ووعدها بعرض الأمر على الرئاسة في تل أبيب.. وصحبها الى ناد ليلي فرقصت وشربت لتنسى همومها.. وعادت معه آخر الليل ثملة لا تعي ما حولها.. وفي الصباح وجدت نفسها عارية بين أحضانه فبكت. . ومع أحضانه الدفيئة تكرر المشهد وهي بكامل وعيها.. فذاقت للجنس طعماً جديداً لا تعرفه.. ولم تتذوقه مع زوجها الذي انشغل عنها ولم يعد يهتم بها. . بعدها عادت الى القاهرة تحمل آلاف الدولارات. وكانت قبلما يفترقا في روما قد طلبت منه أن يرسل في طلبها بمفردها في المرات القادمة.هكذا. لقد نسيت انشراح رغبتها في اعتزال الجاسوسية. . واستمرأت مذاقات اللذة الجامحة مع ضابط الموساد الذي لم يبخل عليها بفحولته المغلفة بالحنان. . وبالرغم من أن ما حدث يخالف وظيفة ضابط المخابرات ومهامه. . إلا أنه ما لجأ الى ذلك سوى لرغبته في احتوائها. . وضمان ولائها لإسرائيل.وفي آخر سبتمبر 1973 كانت انشراح بمفردها في رحلة أخرى الى روما .. فاستقبلها أبو يعقوب المسؤول عن توجييها واستلام التقارير والأفلام منها. لذلك فقد كان عليه أن يسارع بمغادرة بئر السبع الى اللد ثم روما في كل مرة تطير فيها انشراح خارج القاهرة. وفي ذات الوقت كان الضابط الاسرائيلي مكلف بألا يتعدى أية حدود مع الجاسوسة المصرية طالما رغبت هي في ذلك. . لكن ولأن انشراح كانت من النوع الحار لم تجد غضاضة في أن تتغمس في بحور اللذة لا تريد الطفو على السطح أبداً. . حتى فاجأها أبو يعقوب بنبأ هجوم الجيش المصري والسوري على إسرائيل. . وأن احتمال القضاء على دولة اليهود أصبح وشيطاً. كان يقول لها ذلك وهو يبكي ويرتعد جسده انفعالاً.. فأخذت تواسيه وتبكي لأجله ولأجل إسرائيل. . الدولة الصغيرة التي يسعى العرب لتدميرها (!!).وفي أبريل 1974 اقترحت إنشراح على أسرتها السفر الى تركيا للسياحة.. وبينما هم في أنقرة اتصل بهم أبو يعقوب وطلب من ابراهيم أن يسافر الى أثينا لمقابلته. ومن هناك سافر الى إسرائيل. وفي مبنى المخابرات الاسرائيلية سألوه: كيف لم تتبين الاستعدادات للحرب في مصر؟فأجابهم: لم يكن هناك إنسان قط يستطيع أن يتبين أية استعدادات. فبعض معارفي وأقاربي من ضباط القوات المسلحة تقدموا بطلبات لزيارة الكعبة للعمرة.وأضاف ابراهيم:

في حالة ما إذا كنت قد علمت بنية الحرب فكيف أتصل بكم . .؟ فالخطابات تأخذ وقتاً طويلاً وهي وسيلة الاتصال الوحيدة المتاحة.

وبعد اجتماع مطول قرر قادة الموساد تسليم ابراهيم أحدث جهاز إرسال لاسلكي في العالم يتعدى ثمنه المائة ألف دولار. فلقد كانت لديهم مخاوف تجاه الفريق سع الدين الشاذلي الذي يريد تصعيد الحرب. . والوصول الى أبعد مدى في سيناء مهما كانت النتائج. . عكس السادات الذي كان يريدها حرباً محدودة.

دُرب ابراهيم لمدة ثلاثة أيام على كيفية استخدام الجهاز. . وعندما تخوف من حمله معه الى القاهرة.. عرضوا عليه أن يذهب الى الكيلو 108 طريق القاهرة السويس الصحراوي. وهناك سيجد فنطاس مياه كبيرة مثقوب وغير صالح للاستخدام. . وخلفه جدار أسمنتي مهدم عليه أن يحفر في منتصفه لمسافة نصف المتر ليجد الجهاز مدفوناً. وأخبره ضابط الموساد الكبير أن راتبه قد تضاعف، وأن له مكافأة مليون دولار إذا ما أرسل للإسرائيليين عن يقين بميعاد حرب قادمة.عاد ابراهيم الى أثينا ثم أنقره حيث تنتظره الأسرة. . فقضوا أوقاتاً جميلة يستمتعون بالمال الحرام وبثمن خيانتهم.

- نهاية كل خائن :

عندما رجعوا الى القاهرة استقلوا السيارة الى الكيلو 108 وغادرت انشراح السيارة وبيدها معول صغير. .وظلت تحفر الى أن أخرجت الجهاز. . فنادت على ابنها عادل الذي عاونها وحمله الى السيارة ملفوفاً في عدة أكياس بلاستيكية. . وعندما ذهبوا بالجهاز الى المنزل أراد ابراهيم تجربته بإرسال أولى برقياته فلم يتمكن من إكمال رسالته.. بعدما تبين له أن مفتاح التشغيل أصيب بعطل (ربما نتيجة الحفر بالمعول).

حزن الجميع. . لكن انشراح عرضت السفر لإسرائيل لإحضار مفتاح جديد.. وسافرت بالفعل يوم 26 يوليو 1974 ففوجئ بها أبو يعقوب ودهش لجرأتها. . وأراد الاحتفاء بها فأقام حفلاً صاخباً ماجناً على شرفها انتهى بليلة حمراء. . فأمتعت جسدها المتعطش لفحولة أبو يعقوب. . وأرقها الابتعاد عنه والحرمان من خبراته المذهلة وتفننه في إشباعها، ومنحها مكافأة لها 2500 دولار مع زيادة الراتب للمرة الثالثة الى 1500 دولار شهرياً (كان مرتب الموظف الجامعي حينذاك حوالي 17 جنيهاً).

وأثناء وجود انشراح في اسرائيل تائهة بين أحضان ضابط الموساد، كانت هناك مفاجأة خطيرة تنتظرها في القاهرة فعندما كان ابراهيم يحاول إرسال أولى برقياته الى إسرائيل بواسطة الجهاز – استطاعت المخابرات المصرية التقاط ذبذبات الجهاز بواسطة اختراع سوفييتي متطور جداً اسمه (صائد الموجات) وقامت القوات بتمشيط المنطقة بالكامل بحثاً عن هذا الجاسوس. ومع محاولة تجربة الجهاز للمرة الثانية أمكن الوصول لإبراهيم بسهولة.

وفي فجر 5 أغسطس 1974 كانت قوة من جهاز المخابرات المصرية تقف على رأس ابراهيم النائم في سريره. استيقظ مذعوراً وفي الحال دون أن توجه اليه كلمة واحدة في هلع:

أنا غلطان . . أنا ندمان .. الجوع كان السبب . . النكسة كانت السبب. . اليهود جوعوني واشتروني بالدقيق والشاي.

ولما فتشوا البيت عثروا على جهاز اللاسلكي ونوتة الشفرة. . والتزم ابراهيم الصمت. . وكان بدنه كله يرتجف. . سحبوه في هدوء للتحقيق معه في مبنى المخابرات العامة، بينما بقيت قوة من رجال المخابرات في المنزل مع أولاده الثلاثة تنتظر وصول انشراح، تأكل وتشرب وتنام دون أن يحس بهم أحد.وعلى طائرة أليطاليا رحلة 791 في 24 أغسطس 1974، وصلت انشراح الى مطار القاهرة الدولي قادمة من روما بعد شهر كامل بعيداً عن مصر، تدفع أمامها عربة تزدحم بحقائب الملابس والهدايا، ونظرت حولها تبحث عن زوجها فلم تجده، فاستقلت تاكسياً الى المنزل وهي في قمة الغيظ. . وعندما همت بفتح الباب اقشعر جسدها فجأة، فدفعت بالباب لا تكترث. . لكنها وقفت بلا حراك. . وبالت على نفسها عندما تقدم أحدهم. . وأمسك بحقيبة يدها وأخرج منها مفتاحين للجهاز اللاسلكي بدلاً من مفتاح واحد. وكانت بالحقيبة عدة آلاف من الدولارات دسها الضابط كما كانت .. وتناول القيد الحديدي من زميله وانخرست الكلمات على لسانها فكانت تتمتم وتهذي بكلمات غير مفهومة . . وقادوها مع ولديها الى مبنى المخابرات وهناك جرى التحقيق مع الأسرة كلها.

ولما كانت المخابرات الاسرائيلية لا تعلم بأمر القبض على أسرة الجواسيس. . وتنتظر في ذات الوقت الرسالة التي سيبعث بها ابراهيم ليطمئنوا على كفاءة عمل الجهاز . . فوجئت الموساد بالرسالة.. لم تكن بالطبع من ابراهيم بل أرسلتها المخابرات المصرية.

'أوقفوا رسائلكم مساء كل أحد. . لقد سقط جاسوسكم وزوجته وأولاده، وقد وصلتنا آخر رسائلكم بالجهاز في الساعة السابعة مساء الأربعاء الماضي'.

وفي 25 نوفمبر 1974 صدر الحكم بإعدام انشراح وزوجها شنقاً، والسجن 5 سنوات للابن نبيل وتحويل محمد وعادل لمحكمة الأحداث.وفي 16 يناير 1977 سيق ابراهيم الى سجن الاستئناف بالقاهرة لتنفيذ الحكم، كان لا يقو على المشي. . والى حجرة الاعدام كان يجره اثنان من الجنود وساقاه تزحفان خلفه بينما هو يضحك في هستيريا ثم يبكي. . وبعدما تيقن من أنه سوف يُعدم أخذ يردد آيات من القرآن الكريم بكلمات غير مفهومة ثم صاح في انهيار: سامحني يا رب. . وتلا عليه مأمور السجن منطوق الحكم .. ثم ردد الشهادتين وراء واعظ السجن . . عندئذ عرضوا عليه آخر طلب له قبل إعدامه فطلب سيجارة.. وبعد أن انتهى من تدخينها جروه جراً الى داخل غرفة الإعدام . . فقام عشماوي بتقييد يديه خلف ظهره. . ثم ألبسه الكيس الأسود ووضع الحبل في رقبته . . وشد ذراعاً فانفتحت طاقة جهنم تحت قدميه. . وظل الجسد معلقاً في الهواء يتأرجح الى أن همد وسكن. . واستمر النبض ثلاث دقائق وعشر ثوان بعد التنفيذ . . حتى أعلن طبيب السجن وفاة الجاسوس الذي ظل يتعامل مع الموساد طوال سبع سنوات.

أما انشراح فقد ترددت الأنباء في حينها عن شنقها هي الأخرى .. ولكن في 26 نوفمبر 1989 نشرت صحيفة 'حداشوت' الاسرائيلية قصة تجسس ابراهيم على صفحاتها الأولى . . وذكرت الصحيفة أن ضغوطاً مورست على الرئيس السادات لتأجيل إعدام انشراح بأمر شخصي منه. . ثم أصدر بعد ذلك عفواً رئاسياً عنها .. وتمكنت انشراح (في صفقة لم تعلن عن تفاصيلها) من دخول اسرائيل مع أولادها الثلاثة. . حيث حصلوا جميعاً على الجنسية الاسرائلية واعتنقوا الديانة اليهودية.. وبدلوا اسم شاهين الى (بن ديفيد) واسم انشراح الى (دينا بن ديفيد) وعادل الى (رافي) ونبيل الى (يوسي) ومحمد الى (حاييم) . . !!!

رافي بن ديفيد

(1) وعن اللحظات الأخيرة التي وضعت نهاية أسرة الجواسيس. . يقول أصغر الأبناء – عادل – في حديثه لصحيفة معاريف الاسرائيلية .

بعد حرب 73 قرر والدي نهائياً أن تكون هذه هي السنة الأخيرة لهم في أعمال التجسس. وكانت الخطة تقضي ببيع البيت والممتلكات والسفر للولايات المتحدة .. وأنا كفتى في الخامسة عشرة من عمره آنذاك فكرت قطعاً في المستقبل .. ووعدني والدي بإرسالي للدراسة في أفضل كلية هناك. وبعد ان اتخذوا قراراً بأن تكون هذه هي السنة الأخيرة لنا في مصر شعرنا أننا أكثر راحة وأزيح حجر ثقيل من على صدورنا. لكن كان هناك حادثان في تلك السنة هزا ثقتنا. فقد أراد والدي تجنيد شقيقه أيضاً. وأتذكر النقاشات التي دارت بين أمي وأبي حول ذلك. . فقد خافت أمي من أن يسلمنا شقيق والدي .. وحتى اليوم لست أعرف هل عرف بذلك الأمر أم لا؟

والحادث الآخر كان بعد الحرب عندما قمنا بزيارة الأخوال .. وتشاجرت شقيقة أمي 'فتحية' مع ابنتها نجوى. . وكانت هناك صرخات عالية في البيت وحاول أبي التدخل. . فأغلقت نجوى باب دورة المياة عليها وصرخت في أبي:'لماذا تتدخل؟ فالجميع يعرف أنك تعمل مع الاسرائيليين'.

فدخل أبي وراءها وصفعها، وحتى اليوم لا أعرف من أين عرفت . . وشعرنا أن الأمور خرجت عن السيطرة. وفي إحدى المرات التي سافرت فيها أمي الى روماكي تحصل على قطع غيار لجهاز البث الذي عطب .. عاد أبي من العمل شاحباً، وجلس على أحد المقاعد ونظر لي وهمس:

'أعتقد أنهم قد تمكنوا مني'.وصمتنا ، وأضاف: 'لقد سألوا عني في العمل'.فبعد سبع سنوات من التجسس كان لأبي حواس حادة، وعندما قال لنا أنهم قد تمكنوا منه كان قد عرف ذلك عن يقين.

كان لدينا في البيت حوالي 6 شرائط أفلام، وبدأ أبي في تمزيقها وحرقها وحرق الخطابات. . وأدركنا أن الحكاية قد انتهت. . وحتى اليوم لست أدري لماذا لم يأخذنا أبي ويهرب ولماذا لم نطلب منه الهرب؟! وأنا أسترجع تلك الأيام في مخي حتى اليوم لا أفهم لماذا ظللنا في البيت؟

وفي صباح أحد الأيام استيقظنا على صوت طرقات قوية على الباب، وفي المدخل وقف ثلاثة من الرجال وسألوا أين أبي؟ فقلت لهم إنه في العمل، فدخلوا وطلبوا انتظاره. جلس اثنان منهم في الصالون والآخر أخذ مقعداً وجلس بجانب الباب. . وقلت له:'سيدي من فضلك أدخل الى الصالون'.فأجابني قائلاً:

'أشعر بالراحة هنا'. فتبادلت أنا وأخي نظرات فزعة، وحاول نبيل الدخول الى حجرة أبي كي يدمر الوثائق التي كانت هناك . . لكن الأدراج كانت مقفلة وكانت المفاتيح مع أبي، فتبادلنا نظرات يائسة ولم نعرف ما يمكن أن نفعله.مرت ساعة بدت كأنها الدهر ثم سمعنا أصوات سيارات. واقترب من البيت موكب يتكون من عشر سيارات وكانت سيارة أبي تسير ببطء في المنتصف، وتوقفوا أمام المنزل، واقتحم البيت عشرات الجنود ورجال المخابرات وأدخلوا أبي معهم. . وبدأو في قلب البيت. . ولا يمكن وصف صرخات الفرحة التي خرجت من الجنود عندما وجدوا جهاز الارسال وهنأوا بعضهم قائلين 'مبروك' وأحنى أبي رأسه وهمس لنا: 'آسف يا أولادي'.

ويكمل عادل الذي غير اسمه الى (رافي بن ديفيد) حسب الرواية الاسرائيلية:بعد القبض على والدي تركتنا السلطات المصرية وكنا في حالة يرثى لها. . وأردت البكاء والصراخ ولم أستطع. . فقد انتهى العالم بالنسبة لي. . وبعد ساعات تحدث أخي محمد للمرة الأولى 'ماذا عن أمي؟' يجب أن نحكي لها ما حدث.وفي الرابع والعشرين من أغسطس عام 1974، في ساعات الصباح المبكر، وصلت أمي الى البيت، وفي جيب سري بالحقيبة كانت تخفي قطع غيار الجهاز. . وكانت قد اندهشت من عدم انتظار أبي لها في المطار، وسألت عند دخولها: 'أين أبوكم؟' وكان العناق بيننا بارداً فقلت لقد سافر أبي الى الريف، فهكذا طلب منا رجال المخابرات المصرية إخبارها.

وفهمت أمي على الفور فلا يمكن الكذب على من يحيا في ظل الموت، فاقتحمت حجرة النوم للبحث عن الجهاز هناك ولم يكن الجهاز موجوداً، فجرت نحو الحمام كي تتخلص من المواد التي تحملها. لكن كان قد فات أوان ذلك، فقد اقتحم البيت اثنان من رجال المخابرات ، قال لها أحدهما: 'حمداً لله على سلامتك يا دنيا'فتظاهرت أمي بالبراءة وقالت:

'من هي دنيا؟ أنا انشراح'. . .

قالت ذلك بثقة فابتسم رجل المخابرات في رضا: 'لقد اعترف زوجك بكل شيء'.


بقلم : د . سمير محمود قديح باحث في الشئون الأمنية والإستراتيجية

Friday, July 10, 2009

الساعات الأخيرة الحلقة الاخيرة

الساعات الأخيرة

قصة مسلسلة منفصلة الحلقات

بقلم كل من :

ا. عماد حجاب

ا. يمنى حسن حافظ

د. أحمد مراد

الحلقة التاسعة

الرجل ذو الحقيبة السوداء

بقلم د. أحمد مراد

ببذلته الأنيقة وهندامه

وحقيبته السوداء الغامضة

استقل طارق ذلك الميكروباص ليذهب لهذا الموعد وليقابل ذلك الرجل ..

ما إن استقر بكرسية ..

حتى هز رأسه في أسى وقال .. (( يارب خدني بقى وريحني .. ))

كان الراكب الذي بجواره شاب ملتح هاديء الملامح .. وأخرج مصحفه وهم أن يقرأ به لولا أن طرقت جملة طارق مسامعه رغم خفوتها .. فلم يتمالك نفسه من الرد عليه قائلا ..

.. (( يا أخي لا يجوز شرعا أن تدعواعلى نفسك بالموت والهلاك مهما كانت معاناتك فالله أعلم هل الموت راحة لك أم بداية الشقاء .. ولكن المأثور أن تقول اللهم اجعل الحياة زيادة لي في كل خير .. واجعل الموت راحة لي من كل شر .. ))

نظر طارق إليه شذرا وهز يده بلا مبالاة ..

وانطلق بذكرياته الى هناك

إلى لحظة تخرجة من الجامعة ...

تخرج طارق من كلية الحاسبات والمعلومات بتقدير جيد ..

ورغم أن تقديره عادي جدا إلا أن طارق نفسه هو الغير عادي

فقد كان عبقريا وموهوبا بشكل غير عادي في البرمجة سواءا في مجال البرامج العادية والمتنوعة أو برمجة سكريبتات المواقع وتطويرها على شبكة الانترنت

وعلى الفور توجه الى أستاذه د. محمد الهنداوي

ودخل مكتبه وما إن رآه الرجل حتى قام واقفا وكأنما قد لاقى عزيزا عليه وقال له وهو يشير باصبعه نحوه .. (( أحذرك ألا تكون قد نجحت .. فوالله مهما كانت عبقريتك لن يتم تعيينك عندي في شركتي إلا بعد تخرجك .. فأنا أعرف أمثالك يمكنك العمل ببراعة قبل التخرج ولو حدث فلن تتخرج أبدا .... ))

ضحك طارق وقال .. (( الحمد لله رب العالمين .. فعلتها وبتقدير جيدا أيضا .. ))

شد الدكتور محمد على يده وقال له .. (( مبارك يا ولدي .. الآن أنا أهنيء نفسي أن اكتسبت شركتي عقلية فذة وموهبة رائعة تتمثل فيك أنت .. من الغد تكن عندي لتتسلم عملك رسميا .. ))

انطلق طارق بعد لقائه بالدكتور محمد وهو يشعر بالفرحة والسعادة تغمره

فالحمد لله قد تخصص في المجال الذي يحبه وبهذا يمكنه الإبداع فيه وهذا سر تميزه

وها قد حصل على فرصة عمل رائعة في كبرى شركات البرمجة وفي مكان يتمنى الجميع الوصول اليه ...

تسلم طارق عمله وبدأ مباشرة في آداء مهامه

وكما هو متوقع علا نجمه بسرعة ولمع ..

فالدكتور محمد الهنداوي شخص خبير يستطيع بسهولة أن يلمح الموهبة الكامنة والمعدن الحقيقي لكل شخص بسرعة .. وقد كانت نظرته في طارق ثاقبة وفي محلها

وتوقع أن تعلوا الشركة بسببه

وهذا ما حدث فقد ارتفعت مبيعات الشركة في القسم الذي يتبعه طارق بشكل غير مسبوق

ولهذا كان يعامل طارق كولده ولا يرفض له طلبا أبدا ولا يناقشه مطلقا فيما يريد

فهو يثق بأن وطننا العربي مليء بالمواهب والعباقرة الذين لا ينالون حقهم ولا حظهم من التقدير المادي والمعنوي وهذا سبب هجرة كل العقول المميزة للخارج حيث يلاقون هذا التقدير هناك .. ولهذا كان من ضمن خطته الاستراتيجية هي احتضان تلك العقول حين العثور عليها ومنحها بعضا مما يستحقون ..

وكان طارق أحد تلك العقول .. وكان هذا سر معاملته الخاصة التي كانت تثير غيرة الجميع بالرغم من اعترافهم بقدرات طارق ..

كان موعد انتهاء العمل بالشركة هو الثامنة مساءا ..

الجميع كان ينطلق كأنما قد لسعه عقرب حينما تدق الساعة معلنة انتهاء يوم العمل

أما طارق .. فلربما يقوم بكتابة كود لأحد البرامج ويسيطر عليه وعلى كل تفكيره فلا يشعر بالكون من حوله إلا بعد الانتهاء من هذا الكود وقد يتفاجيء بأن هذا قد حدث بعد منتصف الليل

وبالرغم من ذلك كان يشعر بنشوة خاصة وسعادة غامرة لمجرد نجاحه في آداء وإنهاء هذا الكود

كان يتمنى أن يجد من ينافسه

فروح المنافسة والتحدي تضفي متعة أخرى فوق هذه المتعة

وللأسف كل من حوله مجرد مؤدين يؤدون فقط المطلوب منهم

ليس هناك العقل الابتكاري الذي يهوى الخروج عن المألوف ..

كم يتمنى أن يجد هذا ..

وكأنما كانت أبواب السماء مفتحة حينما تمنى أمنيته هذا

ففي اليوم التالي اذا به يجد هذه المنافسة التي يتوق اليها

والعقل الابتكاري الذي يبدع ولا يسير على القضبان المرسومة له

إنها المهندسة فاتن ..

وهي حقا فاتنة ..

فبالرغم من ذكائها وعقلها وموهبتها وكل ما هو مميز مما دفع الدكتور محمد الهنداوي لتبنيها معه .. فعلي عكس المعتاد من أن العباقرة دوما لا يهتمون بمظهرهم ويكن هو آخر ما يشغل بالهم

كانت هي أنيقة في تكلف واضح

تهتم بأدق التفاصيل في ملبسها ومظهرها

وكان هذا يتناسب مع جمالها الأخاذ

وكان حظ طارق أنها معه بقسمه

وكما لفتت انتباهه بجمالها

فقد شغلته بعبقريتها وموهبتها ومنافستها له

وانطلق الاثنان في تلك المنافسة مما رفع من آداء الشركة بأكثر مما كان

كانت فاتن من النوعية التي تشعر بذاتها

تعلم بأنها جميلة وأنها محط اهتمام كل الأنظار حولها

تعلم بأنها عبقرية وموهوبة وتثق بأنها دوما الفائزة والمنتصرة في أي شيء تريده

أي شيء في أي مجال وفي أي مكان

وكانت ثقتها بنفسها تكاد أن تصل لحد الغرور

وكما كانت تتوقع حين تم تعيينها بشركة الدكتور الهنداوي ستكون هي نجمة هذه الشركة المتألقة بها ..

ولأن عينها اعتادت على التدقيق في كل التفاصيل .. فبالرغم من كفاءة طارق وبراعته إلا أنها كانت تتأفف بقوة من اهماله لمظهره

وبالرغم أيضا من أنها رأت في عينيه نظره اعجاب وانجذاب لجمالها في بداية تعرفها به

إلا أن ما ضايقها بعد ذلك هو تجاهله التام لمظهرها هذا واهتمامه فقط بالتنافس معها

وهي اعتادت أن تكون الأولى والأخاذة في كل شيء

ولذا قالتها له مرة ومباشرة .. (( لماذا تهمل مظهرك يا طارق ؟؟ ))

ضحك طارق وقال (( العباقرة هكذا دوما ثم إن العقل وقدراته أهم من تلك التوافه التي لا تشغل الا بال الحمقي .. ))

ازداد ضيقها من رده وكأن كلمة الحمقى موجهة لها وقالت له ..

.. (( جوهرة ثمينة قد لا تستطيع اظهار قيمتها اذا لففتها بغير عناية أو وضعتها بعلبة مهترئة .. وأخرى قد تكون مزورة ولكن العناية بها وبزينتها قد تجعلها ذات قيمة كبرى .. ))

صمت طارق برهة وقال .. (( كلامك مقنع جدا .. سأحاول ولكني لا أجيد العناية بالمظهر وربما لا أستطيع فعل هذا .. ))

ابتسمت فاتن بانتصار وقالت ..

.. (( دع هذه لي .. بعد يوم عمل نذهب سويا إلى أحد المولات الكبيرة وسوف أجعل منك كائنا آخر .. ))

وقد كان ..

ففي وسط دهشة وذهول الجميع دخل طارق الشركة في اليوم التالي ببذلته الأنيقة ورباط عنقه المحكم وحقيبته السوداء الرائعة ..

ولحظ طارق هذا الإنبهار وصفير المداعبة من زملائه

وشعر بالسعادة لأجل هذا

وشعر بالإمتنان لفاتن لأجل هذا ..

وبالطبع كان التطور الطبيعي بعدها بشهرين إعلان خطبة طارق وفاتن بعد ارتباط كل منهما بالآخر ..

بارك الدكتور الهنداوي لهما وقال أصبحت أخشى على نفسي من ارتباطكما هذا .. فيوما ما ستصبحون أصحاب أكبر شركة منافسة لي ..

ضحك طارق وقال له .. (( أنت أبانا وصاحب الفضل علينا يا دكتور محمد ولا يمكن أن نتخلى عنك أبدا .. ))

قهقهة الدكتور محمد وقال له وهو يغمز بعينيه ..

.. (( استعد اذا لأول اختبار لهذا الانتماء .. ))

نظر طارق نحوه متسائلا وقال له .. (( أي اختبار هذا ؟ .. ))

أغلق الدكتور محمد الباب حتى لا يستمع أي شخص اليه

وقال له وهو يربت على كتفه بحنان ..

.. (( أنا أعتبرك دوما ولدي يا طارق ولهذا أهتم للغاية بك .. ويهمني جدا أن تحقق كل أحلامك .. أعلم أنك من أسرة متوسطة الحال .. وأعلم جيدا من هي أسرة فاتن وأن أمر زواجك بها ليس هينا والعائد المادي بعملك عندي لن يكفي أبدا مهما علا لتحقيق مطالبك المادية .. ولهذا أخشى ما أخشاه على عبقريتك هذه أن تكون مطالب الحياة المادية هي أول مسمار في نعشها .. ولهذا .. فقد جئت لك بعقد عمل ممتاز وبعائد مادي خيالي بكبري شركات البرمجة بالمملكة العربية السعودية .. وهذا بالطبع مع وعد منك بأن تعود الينا حينما تشعر بأن مطالبك الشخصية والمادية قد تحققت .. ))

رغما عنه سالت دموع طارق والقي بنفسه على صدر الدكتور الهنداوي وهو يقول له ..

.. (( والله يا دكتور ولا أبي نفسه يمكنه أن يفعل لي مثلما تفعل معي .. ))

ضحك الدكتور هنداوي وقال له .. (( بالطبع لأنه ليس استاذ جامعي بكلية الهندسة وليس لديه شركة كبري في مجال البرمجة .. هيا كفكف دموعك هذه ولتأخذ أوراقك وتذهب حالا للسفارة السعودية لتبدأ في إجراءات السفر فالشركة هناك تنتظرك على أحر من الجمر .. ))

بعدها بدقائق كان طارق يقص على مسامع فاتن ما دار بينه وبين الدكتور هنداوي وهو مأخوذ ومتأثر جدا بهذا الموقف النبيل .. وهي تقول له .. (( الرجل حتما مكسبه بسبب أعمالك معه كان رائعا وهذه مكآفاة طبيعية على آدائك .. ))

قال لها طارق بصرامة .. (( في سوق العمل لا مشاعر والمفترض بحساب الربح والخسارة الذي تتحدثين عنه ألا يسعى ولا يحضر هذا العقد لي فالأفضل له أن أبقي معه لأدر له ربحا أكبر ))

كانت فاتن لا تحب أبدا أن تكون على خطأ

لهذا قالت محاولة تغيير دفة الحديث .. (( أروع ما في الدكتور هنداوي ان يسر لك الطريق كي تتمكن فعلا من أن تعد لنا بيتا رائعة للزوجية المستقبلية باذن الله .. ))

...

أخذ طارق عقد العمل ومعه الأرقام المطلوبة وتوجه للسفارة السعودية التي طلبت منه الكثير من الإجراءات الرسمية ومن ضمنها

عمل تحاليل طبية للكشف عن الإصابة بالإيدز وفيروس الالتهاب الكبدي الوبائي من الفئة سي والفئة بي ..

انغمس طارق عدة أيام في إنهاء هذه الإجراءت وحين قرر الذهاب للمعامل المركزية بوزارة الصحة المصرية لعمل التحاليل الطبية المطلوبة منه

نصحه صديقة على بعمل هذه التحاليل أولا بمعمل خاص قبل التوجه للمعامل المركزية

لأن نتيجة المعامل المركزية تذهب في مظروف مغلق الى السفارة السعودية دون أن تعلم ما بها ولو كانت النتيجة ايجابية لأي من الثلاثة سيتم تسجيل اسمك على كمبيوتر السفارة من الممنوعين من السفر للعمل بالمملكة السعودية ولا يمكن رفع اسمك بعدها أبدا

كان طارق مندهشا لهذا الطلب وهو يقول لعلي ومن أين ستأتيني هذه الفيروسات وها انا سليم أمامك كالحصان ..

قال له على .. لن تخسر شيئا اذا فعلتها للاطمئنان

وقد كان

وكانت المفاجأة القاسية أيضا

فطارق مصاب بالالتهاب الكبدي الوبائي من الفئة سي

لم يكن طارق مصدقا أبدا لنتيجة هذا التحليل

فذهب لطبيب مختص الذي طلب منه الكثير من الفحوصات المعملية التي أكدت أن طارق مصاب فعلا بفيروس سي وبنسبة عالية جدا وفي حالة نشطة

كان طارق فعلا يشكو في الفترة الأخيرة من الإجهاد الكبير ومن صفار خفيف ببياض العينين وكان يظن بأن سبب هذا هو الإجهاد والسهر الكثير في العمل

فهو في الفترة الأخيرة كان يبذل مجهودا أكثر مما يتحمل وفاءا للدكتور هنداوي

يظل طوال اليوم يجري يمينا وشمالا في محاولة انهاء اجراءات سفره

وآخر اليوم يتوجه للشركة ليقيم بها في محاولة لفعل المستحيل كرد للجميل لصاحب العمل

ولكن اتضح أن هذا الإجهاد لم يكن الا بسبب مرضه

وحينما أخبر صديقه على قال له

.. (( لا تخبر أحدا أبدا وسوف أجد لك حلا باذن الله .. ))

وبالطبع كانت فاتن هي المستثناه من هذا

ولهذا قابلها طارق وبعين باكية قال لها ..

.. (( أنا مريض يا فاتن .. ))

نظرت فاتن اليه متوجسة وقالت له .. (( عن أي مرض تتحدث وما الذي حدث ؟؟ .. ))

قص عليها طارق الأمر بالتفاصيل

وأخيرا أخبرها بأن حالة كبده سيئه وربما من الصعب علاجه

ظن طارق بأنه سيرى دموعها المنهمرة لأجله

أو أن تربت على كتفه وتطمئنه

أو أن تخبره بمساندتها له

ولكن كان رد فعلها أعجب وأقسى رد فعل ممكن

فبكل بساطة نزعت دبلة الخطوبة من اصبعها

وقال له بكل برود ..

.. (( معذرة يا طارق .. لن أتحمل ان اكون أرملة وأنا في عز شبابي .. ))

*****

أظلمت الدنيا فجأة في وجه طارق

فجأة شعر باليأس والإحباط من كل شيء

صدمة اصابته بفيروس سي وحالته المتردية

صدمة خسارته لفرصة السفر الرائعة

صدمة فاتن التي مزقته بسكين حاد وبكل برود

صدمات متتالية تهد الجبال

وقد هدته فعلا ..

ظل خمسة أيام بحجرته المظلمة لا يخرج منها ولا يحدث أحدا ولا يأكل ولا يشرب الا الكفاف

ولا يرد على جواله الذي لا يكف عن الرنين

وأخيرا دخل صديقه على اليه في حجرته

ليوبخه على موقفه هذا ويخبره بأنه قد جاء اليه بالحل لكل مشاكله

نظر طارق اليه مندهشا .. عن أي حلول سحرية يتحدث على ؟؟!!

قال له علي في حماس ..

.. (( ما هي مشاكلك الآن بالتحديد ؟ ))

قال له طارق بوهن ..

.. (( أولا صحتي المتدهورة وصعوبة العلاج .. والعلاج المتوفر مكلف للغاية ولا استطيع دفع نفقاته رغم آثاره الجانبية القاسية ..

وفقداني لفرصة العمل الرائعة

وفقداني لشريكة حياتي قبل أن تكتمل هذه الشركة .. ))

قال على في تردد .. (( دعك من الأخيرة وجئت اليك بحل الأولتين ..

أولا وجدت لك رجلا يعمل بالمعامل المركزية بوزارة الصحة يمكنه التلاعب بنتائج المعمل مع المقابل المناسب ..

وبهذا يمكنك السفر وتعود اليك فرصة السفر الرائعة وبالعائد المادي الخيالي يمكنك أن تتعالج .. فما رأيك ؟؟ .. ))

كان طارق وسط يأسه وإحباطه يرى بأن هذا هو الضوء الوحيد الذي بزغ له فجأه ليعيد اليه شيئا من الأمل .. فقال لعلي باهتمام ..

.. (( وما هو هذا المقابل المادي المناسب الذي يطلبه ؟؟ .. ))

قال على في تردد أيضا .. (( إنه يطلب مبلغ عشرون ألف جنيه .. ))

اتسعت عينا طارق في دهشة وقال له .. (( من أين لي بهذا المبلغ وقد أنفقت كل قرش معي في خطوبتي التعيسة هذه ؟؟ .. ))

قال له على .. (( انظر للعائد بعد دفع هذا المبلغ ولتتصرف بأي شكل كان .. لأنها فرصة لن تُعوض .. ))

شكره طارق على جهده وقال له .. (( سوف أتصرف باذن الله .. ))

.....

في ياليوم التالي كان طارق في الشركة في أول ظهور له منذ خمسة أيام

كانت عيناه منتفختان وحولهما هالة كبيرة سوداء وقد بدأ اللون الأصفر يزداد وضوحا ببياض عينيه ..ولهذا كان يرتدي منظار أسودا لم ينزعه حتى وهو بداخل الشركة وبعيدا عن الشمس

.. دخل الى مكتبه .. وكانت فاتن في المكتب المقابل له .. لم تعره انتباها ولم تحاول حتى أن تنظر نحوه .. واذا بها تجده واقفا أمامها .. همت أن ترفع وجهها وهي تحضر له جملة قاسية أخرى تفقده الأمل في أي محاولة للرجوع ولكنه قال لها في خفوت

.. (( مطلبي الأخير فقط ان يكون هذا المرض سرا بيننا ولا تخبري به أحدا .. هل يمكنني الثقة بك في هذا ؟ .. ))

هزت رأسها ببساطة وقالت له في اقتضاب .. (( يمكنك .. ))

عاد طارق الى مكتبه بكتفين متهدلين وجلس عليه وهو يحاول ان يبدأ عمله

والعجيب أنه كان يشعر بالعجز التام

فجاة ترهل عقله وفقد بريقه ولم يعد يستطيع العودة للسابق

حتى أنه يظل يراجع أعماله القديمة ويتعجب كيف أنجزها في السابق

وأخيرا أغلق طارق جهازه وظل شاردا ببصره في الفضاء يفكر في مشكلته

من أين يأتي بهذا المبلغ الذي لا يطيقه ؟

أصبح جل همه الآن هو السفر

وبأي شكل كان

وبأي طريقة مهما كانت غير مشروعة

وبدأ احساس الأنا يسيطر عليه بشكل غريب

وأخيرا برقت في ذهنه الفكرة

ورغم غرابتها الشديدة

ورغم أنه لو كانت وردت بخياله من قبل لذبح نفسه

الا أنه تقبلها ببساطة

وقال لنفسه

الرجل وسط أرباحه الطائلة لن يؤثر هذا امبلغ معه أبدا

ولكنه يؤثر معي ويتوقف عليه كل مستقبلي

وبالطبع لا يمكنه أن يطلب منه هذا المبلغ كسلفة لأنه سيتوجب عليه أن يكشف له سبب احتياجه له

وهذا هو المستحيل فلن يمكنه كشف السبب

ولهذا

ولأنه يمكنه السهر وحده بالشركة والثقة فيه مطلقة

رتب أن يطيل السهر هذه الليلة

وأخيرا وبعد أن أصبح وحده

تسلل لحجرة الحسابات ولكن للأسف كانت مغلقة باحكام

ولن يمكنه دخولها

وفي اليوم التالي دخلها ليلقي السلام على توفيق المحاسب وليري على أرض الواقع وسيلة للوصول الى أموال الشركة

واذا به يرى مفاتيح توفيق ملقاة باهمال بأحد جوانب مكتبه واذا بالصدفة تخدمه فقد اتصل الدكتور هنداوي بتوفيق ليستدعيه .. ولأن الثقة في طارق عالية جدا فقد تركه توفيق وانطلق ليلبي مطلب الدكتور فما كان من طارق إلا أن أخذ المفاتيح ووضعه في جيبه وانطلق الى خارج الشركة ليصنع منها نسخة بسرعة وفي خلال نصف الساعة عاد الى توفيق الذي كان منهمكا في أعماله وارتكن طارق على مكتبة والمفاتيح في قبضته ثم القاها على الأرض في مشهد يوحي بأنه أوقعها بيده من فوق المكتب ورفعها ليعيطها الى توفيق وانطلق بعد أن أنهى حواره المفتعل معه ..

وفي آخر الليل كان ينطلق بحقيبته المليئة بالأموال التي سرقها وهو يرى بان ما فعله لا شيء فيه ..

فهو يشعر بأنه مظلوم في هذا الحياة

فهو عبقري ولكن لا يأخذ حقه ولا مكانته

وحينما أتته الفرصة كادت أن تضيع بسبب مرض غريب لا يعرف مصدره

فلما يقع عليه هذا الظلم ؟؟

ولم هو بالذات يحدث له هذا ؟

لما لا يكون متفوقا متألقا صاحب أعمال وثروات ويمن على الناس مثل الدكتور هنداوي

كان موعده في اليوم التالي صباحا باكرا لملاقاة الرجل الذي يعمل بوزارة الصحة ليعطيه المبلغ وليحدد معه وسيلة التلاعب بالنتائج

كان الصبي ينادي على الركاب قائلا المؤسسة عبود

فاستقلها ليقابل الرجل في شبرا الخيمة في المكان المتفق عليه

أمسك بحقيبته بعناية ورغما عنه تذكر الموقف الذي احتضنه فيه الدكتور هنداوي وهو يقول له بأنه يعده ولده

واذا به يشعر بتأنيب كبير للضمير

شعر بان كل حياته تتداخل بشكل عجيب ومأساوي وأنها مرتبكة جدا و لم تعد طبيعية أبدا

شعر بالألم

وفي نفس الوقت لا يمكنه التراجع

فهذا يعني له الموت

فقال مرددا دون أن يشعر بأن صوته مسموع

.. (( يارب خدني بقى وريحني .. ))

ليرد عليه الملتحي الذي بجواره

ولتقع بعدها الواقعة قبل أن يصل لمقابلة الرجل

......

دخل كريم على العميد التوني وهو يقول له .. (( سيادة العميد هناك .. ))

قاطعة العميد التوني قائلا .. (( مفاجئة جديدة .. اعلم هذا هيا ائتني بها ومباشرة بلا تأخير لقد مللت مفاجئاتك وعجائبك ..

بهت كريم برد العميد التوني وقال له مترددا

.. (( قضية ميكروباص الطريق الدائري ستتفرع عنها قضية أخري عجيبة تتبع مباحث الأموال العامة .. فالشاب المسمى طارق كان يحمل مبلغا كبيرا من المال وكلها أموالا مزورة .. ))

هز العميد التوني يديه بتعجب وهو يقول .. (( من كان يتخيل أن هذا الحادث يحمل هذا الكم من الأهوال ؟؟ .. أنا أرى هذا الميكروباص وبحادثه هذا قد حمل بين جنباته الكثير والكثير من كل مفارقات الحياة وعجائبها .. فلتطلب لي إدارة الأموال العامة لنحول هذه الأموال والقضية لهم .. ))

وتحولت القضية التي بدأ البحث والتحقيق فيها لتظهر بعد ذلك المفاجئات التي أذهلت الجميع

سرقة طارق للرجل الطيب الذي كان يعده كولده

ووقوع توفيق بأمواله المزورة التي كان يدسها بالخزانه ليوزعها مع الرواتب

......

مشهد قصصنا بدايته

ولم نكمله

وأود أن أختم به هذه القصة وأودعكم به ..

حينما كان الشاب الملتحي الهاديء يحدث طارق ولوح له طارق بغير عناية واندفع في ذكرياته ..

حاول الشاب بعدها أن يتجاهل الأمر ويقرأ في مصحفة ولكن لم يستطع التركيز في حرف واحد من أي آية قرأها ..

الأفضل له من وجهة النظر العادية أن يترك الشاب في حاله ويريح نفسه من عنت الجدال معه

ولكن ..

رب كلمة واحدة تقولها بإخلاص وتكون سببا في تغيير مصير انسان

كم من شخص قال جملة وكانت سببا في هداية شخص

ولذا آثر أن يترك السلبية وأن يكون ايجابيا

فقال لطارق ..

.. (( ما بك يا أخي أشعر أنك تحمل جبالا من الهموم .. ))

وكأنما كانت جملته هذه هي المفتاح لأن ينطلق طارق ويقص عليه كل شيء باختصار كأنما يريد أن يزيح عن صدره كل الهموم

ابتسم الشاب الملتحي وربت على كتف طارق وهو يقول

(( .. أولا يا أخي عسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم ..

من أدراك أن الغني والرزق الواسع ربما كان مصدرا للتعاسة لك ؟ .. فكم من ثري لا ينام الليل تؤرقه المشاكل والهموم ..

وكم من رجل بسيط ينام في ليله وقلبه مطمئن والسعادة تغمره رغم الحاجة .. فالسعادة شعور داخلي يمنحه الله لمن يشاء ولا ارتباط فيها بالغني والفقر

ومن أدراك أن خطيبتك هذه كانت هي مصدر الشقاء لك لو تمت هذه الزيجة ؟؟

فليس كل ما تطلبه وترغبه هو الصالح لك

فالطفل الصغير ربما يطلب أكلة ويبكي بكاءا مرا لأجلها ولكن منعها الطبيب عنه لأجل مصلحته لأنه بتناولها ستزداد حالته سوءا

كذلك كل أمورنا في حياتنا .. والله عز وجل أرحم بنا من الأم بوليدها

ثق أن ما أصابك ما كان ليخطئك

وما أخطئك ما كان ليصيبك

وثق أيضا أن أكثر الناس بلاءا هم الأنبياء ثم الصالحون من بعدهم

ومعنى أن ابتلاك الله فهو اصطفاء لك

فهنيئا لك أخي الحبيب بشرط أن تصبر وترضى بقضاء الله عز وجل

وأن تسعى دوما فيما يرضى الله عز وجل لا ما يغضبه ويسخطه .. ))

كانت كلمات الشاب تهبط على قلب طارق بردا وسلاما

كانت تشفيه من كل همومة وغمومه وآلامه

ولكن عند تذكره للمبلغ المسروق من أفضل الناس ومن صاحب كل الأفضال عليه

عادت الغصة تحرق حلقه

فلم يجد حرجا لأن يخبر الشاب بها ويسأله ما الحل

فقال له الشاب ببساطة

.. (( أعد هذا المبللغ لموضعه وابتعد عن الرشوة سبب اللعنة

وتب الى الله عز وجل توبة صادقة واستغفره .. ))

قال طارق بخشوع .. (( أستغفر الله العظيم من كل ذنب عظيم ))

وهم أن ينادي على السائق ليتوقف وينزله

ولكن فوجيء بالسيارة تتمايل في مشهد عجيب

وصراخ الناس يعلوا

فما كان منه إلا ان صرخ بقوة معهم لكي يفيق السائق

فما يهمه الآن هو أن يعيد هذا المبلغ قبل أن تقع الواقعة

ولكن

سبق السيف العذل

تمت بحمد الله

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

Sunday, July 5, 2009

الساعات الأخيرة قصة مسلسلة منفصلة الحلقات الست أمينة

الساعات الأخيرة

قصة مسلسلة منفصلة الحلقات

بقلم كل من :

ا. عماد حجاب

ا. يمنى حسن حافظ

د. أحمد مراد

الحلقة الثامنة

الست أمينة

بقلم ا. يمنى حسن حافظ

تشنج الجسد النحيل فوق الفراش تشنجات مؤلمه....كتمت المرأه المتألمة المها بكفى يدها ....ثم مالبثت ان عضت كفها حتى لا تخرج الصرخات من بين شفتيها وتوقظ ابنتها التى رقدت على الفراش المجاور وقد احتضنت بين ذراعيها طفلين جميلين ينامان فى وداعة وهدوء.....

تقلبت الست امينه يسارا ويمينا ...حاولت النهوض لتجلس ولكن الالم فى جانبها يكاد يفتك بها....تصبب جبينها عرقا كثيفا....تبللت الوساده بدموعها المنهمره....فآهة افلتت من بين شفتيها كانت كفيلة بإيقاظ ابنتها هديل فهبت فزعة وقد تهدجت انفاسها وتلاحقت وهى تستند بيدها على فراش امها لتمنع جسدها من السقوط....فمازالت آثار النعاس بين جفنيها تمنعها من الرؤية الجيده...

فالساعة لم تكن قد تجاوزت السادسة صباحا ولم تنم هديل سوى ساعتين فقط منذ كانت تجلس بجوار والدتها من ليلة الامس حتى نامت واستراحت من الالام الكلى التى اصبحت تهاجمها الان كل يوم....

عضت الست امينه مره اخرى على يدها ثم ظلت تتقلب وتتشنج وتكور جسدها فى الفراش وهى تدعو الله بين المها ان يخفف عنها...وان يمد فى عمرها لتستطيع ان تعين ابنتها الارمله ...بعد فقدت زوجها اشرف العام الماضى...فقد كان سقوطه من فوق السقالات من على ارتفاع ثمانية امتار...فى موقع العمل الخاص به ...صدمة ...

ودخولة فى غيبوبة ....صدمة اخرى ولم تفق منها وعانت الامرين فى تمريضه والجلوس بجواره والذهاب للاطباء بتقاريره الطبيه واستدعاء اطباء آخرين عسى كانت النتائج مختلفه .... شهرين او يزيد فى وهو فى تلك الغيبوبه حتى صدمت مره اخيره حين فارق الحياة .......عام مضى ولا زالت تنام محتضنة طفليها وكأنها تخاف ان تفقدهما ....كما فقدت والدهما...تخاف ان تتركهما يلهوان بعيدا عن عينيها.....تحيطهما بعناية ورعاية فائقة......لولا امها لكانت جنت...خاصة ان لا اخ لها ولا اخت ....وان الشقه التى كانت تعيش فيها مع زوجها خمس سنوات فى مدينة غارب تخص قريب له وقد حاول ان يتزوجها من بعد اشرف وحين رفضت طالبها بالخروج من الشقه....فخرجت وعادت الى بيت والدتها فى القاهره لتعيش معها......تؤنس وحدتها بعد ان صارتا ارملتين.....

كانت تلك الافكار تدور فى عقل الست امينه وهى تنظر لابنتها التى هرعت تأتيها بكوب ماء ...وتربت على جبينها وتمسح عنه حبات العرق المتساقطه....

حتى سكن الجسد المتهالك.....هدأت الالام......انتهت النوبه بعد ان انهكت قلب الست امينه....واعتصرت قلب ابنتها هديل....

نامت الست امينه فى حين هرعت هديل الى الهاتف تجرى مكالمة هامه......

............ ......... ......... ......... .......

جلس الرجل وزوجته فى شرفة منزلهما الكبير يهمسان بصوت يكاد لا يسمع ...قالت المرأه وقد غلبتها دموعها :هانعمل ايه يا محمد؟ نسمه بنتنا هاتضيع ...يارب رحمتك يارب

قال الرجل وهو يحاول ان يظهر التماسك امام زوجته الا انه فشل فخرج صوته متحشرجه وهو يقول :اعمل ايه يا زينب؟؟ مفيش فلوس خلاص....وبعت العربيه والشقه لو تمليك كنت بعتها هى كمان ..وادى فلوس القرض الحسن الخاصه بالعمل انتهت ....وانا لا اريد ان اقترض من البنك لعلاجها.....والجلسات فى مراكز الغسيل الكلوى اسعارها كما تعرفين غاليه ....انا حاسس انى واقف عاجز وبنتى بتموت.....

قالت بضعف : يعنى لو فعلا اسمها مش موجود فى القايمه يبقى كده خلاص؟؟

قال محمد بصوت مرتجف :يبقى نصيب.... قال لى الرجل المسئول ان الاعداد المتقدمه كبيره جدا وان المرضى بالفشل الكلوى عددهم كبير جدا يا زينب...وقائمه الانتظار طويله جدا...والاجهزه لا تحتمل كل هذه الاعداد ...ولابد من اختيار عددا محددا فقط ليستطيع ان يتم جلسات الغسيل مجانا....

بكت الست زينب وهى تضع يديها فوق راسها وتقول :لطفك يارب....لطفك....

ثم كانها تذكرت فجأه شيئا هاما فقالت وهى تمسح دموعها :ناخذ قرض من البنك ونعمل عملية نقل الكليه....احنا فى حاله اضطرار يا محمد وربنا عارف ومطلع ...

قال محمد وهو يفكر :تفتكرى كده يبقى حلال؟؟

قرض بنك ؟؟ وكمان عملية نقل اعضاء؟؟ انا قلبى غير مرتاح يا زينب ...ومن يتق الله يجعل له مخرجا....

قالت وقد انهارت آمالها : يعنى بنتى هاتموت؟؟ ليه كده ؟؟........استغفر الله العظيم

قال وهو يضع يده فوق شفتيها : قولى ورايا يا زينب "اللهم انى لا اسالك رد القضاء ولكنى اسالك اللطف فيه "..

وخلف باب الشرفه المغلقه كانت نسمه تقف هناك وبين يديها هاتف والدها المحمول الجديد والذى استبدله منذ اسبوعين بعد ان باع هاتفه الاحدث واشترى هذا القديم بدلا منه....

وقد تسمرت قدماها حين سمعت رغما عنها هذا الحديث عن مرضها .....

وتراصت فى مخيلتها صورتها فى جلسات الغسيل الكلوى التى كانت تجريها منذ شهر مضى وكانت تنهكها..تماما ..حتى ان المره السابقه ارتفع ضغطها ليصل الى 200 وعلى اثره نزف انفها .....وكادت ان تموت....

كانت قد تصورت انها شفيت...لذلك لم تعد هناك حاجة لتلك الجلسات المرهقه والمتعبه ..ولم تكن تتخيل ان النقود مع والدها قد نفذت ...وانها لاتزال فى مرحلة الخطر...........وكيف يستوعب عقلها ذو السبعة عشر عاما انها ستخرج من الحياة قبل ان تستطيع ان تخطوا فيها قدرا من الاعوام؟؟

سعلت وهى تحاول ان تنبه والديها لانها فى الحجره المجاوره فهب والدها يفتح النافذه فناولته الهاتف على عجل وهى تقول بابتسامة شاحبه : لقد دق الهاتف كثيرا ....سأصنع لكما كوبين من الشاى بالنعناع ...لتشربه انت و والدتى فى الشرفه كما تعودتما يا والدى ...ما رايك؟؟

نظر لها والدها باسف واسى وقال :تسلم ايدك يا نسمه ....شكرا يا حبيبتى

ودخل الى الشرفه مره اخرى وهو ينظر الى شاشة هاتفه المحمول التى تحمل رقما يعرفه جيدا....رقم الطبيب الذى يحاول اقناعه بشتى الطرق بعمل عملية نقل كلى لنسمه ...فى مركز خاص لمثل هذه العمليات....وستكلفه حوالى ثلاثون الف جنيها للمتبرع فقط....غيرتكاليف التحاليل والفحوصات التى ستجرى لكل من ابنته والمتبرع ....... هذا الى جانب مصاريف العمليه واجر الطبيب والعنايه الطبيه التابعه للعمليه لكلا من الاثنين ابنته والمتبرع على حد سواء ...واضافة الى اجر المستشفى .....ولكن مالا يدركه ذلك الطبيب الحريص على جمع المال ان الاستاذ محمد قد نفذت نقوده ....كما ينفذ الوقت الباقى لابنته نسمه قبل ان تتدهور حالتها وتصير مجرد جسد هزيل يرقد ينتظر الموت....

............ ......... ......... ......... ......... .. ............ ......

دق الهاتف طويلا...فقد كان الحاج عوض لا يزال ناعسا على الاريكه امام النافذة المفتوحه والتى يدخل منها نسيم الصباح المنعش ....كعادته بعد ان يعود من صلاة الفجر فى المسجد ...يفتح النافذه الكبيره وينعس قليلا ثم ينهض ليراعى مصالح اخوته فى الارض التى يمتلكونها وورثوها عن والدهم رحمه الله,,,,

تبرم الحاج عوض منزعجا من هذا الرنين المزعج....ونهض بتكاسل شديد ليرفع السماعه ويجيب بصوته الجهورى :ايييوه...مين؟؟

فآتاه صوت ابنة شقيقته هديل تقول فى لهجة اقرب للتوسل :ايوه يا خال.....انا هديــ.......

قاطعها بسرعه وقال متاففا :اييوه يا ست هديل ...خيرعلى الصبح يا بنت اختى....امك جرالها حاجه؟؟

تهدج صوت هديل وتقطع وهى تقول فى صوت يرتعش :تعبانه والله يا خال...ولسه جايالها النوبه وكنت باتصل بيك عشا.........

قاطعها مره اخرى وقال فى فظاظه :عشان ايه يا بنت اختى؟؟موضوع الارض تانى ؟؟ ولا عايزه فلوس؟؟

استعادت هديل صوتها وقالت بقوه :من فضلك يا خالى...امى وعايزه تبيع نصيبها....عشان تتعالج ولا راضى انك تشترى بسعر السوق ولا راضى انها تبيع لغيرك كده حرام....

هب صارخا فيها وهوة يقول :حرمت عليكى عيشتك يا شيخه.....حرام؟؟ انتى بتقوليلى انا حرام؟؟؟؟ مين انتى عشان تعرفى الحلال من الحرام يا بنت امبارح انتى؟؟؟بلاش قلة حيا اومال واتحشمى وانتى بتكلمى خالك الكبير يا بت.....عايزينى ابيع الارض؟؟؟ عشان ايه وعلاج ايه ده ال عايز الوف والوف؟؟ها؟؟ولا دى حركات من بتاعت امك عشان تاخد الورث؟؟؟؟ ماناى عارف امك طول عمرها مستعريه منينا اكمننا فلاحين ...وهى عاشت واتجوزت فى مصر وعجبتها عيشة مصر حتى بعد ما بقت ست وحدانيه ولا راجل ولا سند ولا حاجه خالص....قالت مش راجعه البلد ...هى دى الاصول؟؟؟

ظل الرجل يصرخ ويهدد ويتوعد وهديل تبكى ولا تستطيع ان تصدق نفسها ان هذا هو خالها...شقيق والدتها....ويتمسك بالارض والمال ...وضعت السماعه بياس وهى تشعر بان الحياة ضاقت عليها...فهاهى تفقد زوجها ...وجلست تراقبه وهو يذبل ويذوى ...كما تراقب والدتها وهى تشحب وتنهار يوما بعد يوم...

دق الهاتف ...جففت دموعها ورفعت السماعه فى تخاذل ...فجاء الصوت من السماعه مهللا مبتهجا ..فرحا يزف اليها نبا سعيد لم تكن تتوقعه فى ظل احداث اليومين السابقين.....

كان صوت فاروق ابن عم والدها رحمه الله ...والذى يعمل فى المستشفى الحكومى التى تعالج فيها والدتها من حاله الفشل الكلوى...يخبرها بان اسم والدتها قد انضم لقائمة المرشحين لنيل جلسات العلاج والغسيل الكلوى المجانيه وان غدا هو اول يوم لتلقى العلاج وانها لابد ان تحضر للمستشفى مبكرا حتى تستطيع ان تنهى جلستها مبكرا دون الحاجه للانتظار.........

اغلقت هديل الهاتف وهى تتمتم بكلمات :سبحان الله ...ماضاقت الا وقد فرجت ...

............ ......... ......... ......... .

استيقظت الست امينه مبكرا.......وكانت هديل قد ارتدت ملابسها هى الاخرى وقد ارتدى طفلاها ملابس الذهاب للخارج ايضا ....ما ان خرجت والدتها من الحجره الا وقالت لها :هيا يا امى حتى لا نتأخر لقد قال فاروق ان الميعاد كلما كان مبكرا كلما كان افضل....

قالت والدتها بعفويه : هاتاخدى الولاد معانا؟؟

وقبل ان تجيب هديل التى كانت تحمل الطفل الصغيرفوجئت به يتقئ ملوثا ثيابها .....

فقالت ....:ساغير له واكون جاهزه فورا

قالت الام وهى تضع شفتيها على جبينه لتستشعر حرارته :الولد شكله تعبان يا هديل وحرارته عاليه ...ساذهب بمفردى ولا تقلقى ....ومعى فاروق لن يتركنى...

ترددت هديل وما لبثت ان وافقت مجبره حين واصل صغيرها التقيؤ وهو فوق ذراعيها.......

وبالفعل خرجت الست امينه مسرعة ونادتها هديل وناولتها هاتفها المحمول الخاص بها وقالت :ضعيه معك يا امى سارسل لشراء كارت مباشر واكلمك حتى اطمئن عليكى...

قالت الست امينه بعفويه وهى تقلب الجهاز بين يديها : والله شكلى ما هاعرف استخدمه يا بنتى ....

واصرت هديل وامام اصرارها وافقت امها ووضعت الهاتف فى حقيبتها...وهرولت بامل فى الحياه نحو موقف الميكروباص وهى ترسم امالا لحياة خاليه من ذلك الالم المفزع الذى يهاجمها ...افاقت حين لكزها ذلك الشاب وهو يصعد قبلها لياخذ مكانها فى الميكروباص حتى انها كادت ان تنكفئ على وجهها فقالت بسرعه وبوهن :يابنى حرام عليك كنت حتوقعنى..!!

لا يلتفت إليه و يهملها و كأنها لا تكلمه فتحدثه بلهجة رجاء : يا ابنى أنا با غسل الكلى و اتأخرت على دورى فى المستشفى..!!

يبدو الضيق على كل الركاب و تتعالى طقطقات الاستنكار

فقال الشاب بكل عدم اهتمام : أنا كمان مستعجل يا حاجة

فيتدخل شاب آخر فى الحوار ويقول :

يا أخى حرام عليك بتقولك عيانة فيرد عليه : (بسماجة) متنزل انت وركبها ... و لا لازم تبقشش من جيبى أنا؟؟

فينهض الشاب عادل بمنتهى الشهامه ويجعلها تاخذ مكانه بعد اصرار والحاح منه فتركب الست امينه وهى تدعو له كثيرا ........

............ ......... ......... ......... ......... .. ........

وقف فاروق العامل فى قسم الغسيل الكلوى بالمستشفى الحكومى يراجع القائمه الخاصه باسماء المرضى المختاره اسمائهم لجلسات الغسيل الكلوى المجانيه.....

وهو يبتسم ابتسامة رضا حين راى اسم الست امينه من ضمن الاسماء ....ولكن ما لبث ان تبع الابتسامه نظرة قلق حين نظر الى ساعته التى تشير الى التاسعه ...ولم تحضر الست امينه بعد كما اتفق مع ابنتها ....

وافاق على سؤال من الاستاذ محمد يسال عن الاسماء الوارده فى القائمه عسى كان اسم نسمة ابنته من ضمن هذه الاسماء السعيده الحظ.فقال : اسم بنتى نسمه محمد موجود؟؟

رفع فاروق عينيه يتأمل الفتاه النحيله ذات العيون السوداء وهى تقف متكئة فى وهن على ذراع والديها........

ثم راجع ببصره القائمه ....وتردد قليلا ثم قال بلا اهتمام : معلش يا استاذ ....الاسم مش موجود....

تبادل الاستاذ محمد وزوجته النظرات الحزينه فى حين قالت زوجته بلهجة استجداء: يابنى شوف تانى كده....يمكن الاسم يكون فى الصفحه التانيه..!!!

شعرفاروق بحرج شديد وهو يهرب بعينيه من نظرات الفتاه التى وقفت صامته وقال :لا يا امى ..صدقينى...والله لو اقدر اخدمك عمرى ما اتاخر ابدا....لكن ده نظام ودور واولويه....

انفجرت الام فى البكاء فى حين وقفت الفتاه تربت على كتفيها وهى تقول بصوت واهن وضعيف : خلاص يا ماما ....انا تعبانه من الوقوف ...عايزه اروح البيت....

احضر فاروق الكرسى للفتاه بسرعه وهو يقول : ارتاحى قليلا ....وسارى ماذا استطيع ان افعل..!!

شكره والدا الفتاه بشده ووقفا بجوار ابنتهما التى اخذت تتطلع فى الوجه المريضه والتى ذكرتها بما هى فيه وبالنهايه التى تنتظرها ...فادمعت عيناها وظلت تبكى دون صوت....

............ ......... ......

كان الميكروباص يسير بسرعه صاروخيه وكانت الست امينه تجلس فيه تنتظر وصولها للمستشفى... بفارغ الصبر ...وكانت صوت الاغنيات عاليه فما كان منها الا ان طلبت من السائق ان يخفض الصوت....ولكن لا حياة لمن ينادى.......

وفجأه تعالت اصوات الركاب وطارت السياره فى الهواء وانقلبت وتعالت صرخاتها .....ثم حدثت الماساه.......وهدأ كل شئ....

ووقف العميد التونى يشاهد الاجساد الملقاة هنا وهناك ....واقبل عليه كريم وهو يحمل بين يديه هاتف محمولا يدق باصرار ....وقال له :هذا الهاتف كان فى حقيبة السيده العجوز ....وناوله اوراقها والتى دون فيها اسم المرأه المتوفاه ..........اسم الست امينه

............ ......... ......... ......... ......

من بعيد وقف فاروق لا يستطيع ان يزيح بصره عن وجه الفتاه الحزينه....ويراجع مره اخرى القائمة التى بين يديه......ثم يعيد الاتصال بهديل ليتعجل حضور والدتها سريعها ولكن الهاتف يدق ويدق دون ان يجيب عليه احد...........وقد قاربت الساعه على الحادية عشر والنصف ظهرا....

تأمل التعابير الدقيقه للفتاه والتى اتى عليها المرض بشحوب عجيب....يتامل لهفة والديها عليها....وقد امتقع وجهيهما بشكل مخيف.....ظل بصره معلقا لفتره ليست بالقصيره .....نعم كان يرى الحالات المرضيه من هذا النوع يوميا امامه الا ان هذه الحاله بالذات كان لها تاثيرا كبيرا عليه....نعم حاله نسمه بالذات...لماذا؟؟

هو فقط يعلم.....

............ ......... ......... .

دق هاتف فاروق برقم هديل فاجاب بسرعه وقال : ايوه يا هديل ...اتأخرتوا ليه ؟؟

ولكن اجابه صوت آخر لرجل يقول :مين معايا؟؟

اجاب فاروق وقد شعر بان هناك شيئا غريبا وغير مالوف فعرفه بنفسه ...

وسمع فاروق الخبر الغريب ...سمع بخبر وفاة الست امينه وهى فى طريقها للمستشفى...

ولم يستطع ان يقول شيئا ....فالتفت ببصره باحثا عن الاستاذ محمد وابنته نسمه...التى كانا قد تحركا بالفعل يهمون بالمغادره بعد ان استراحت الفتاه......

فقفز بين المرضى بسرعه يلحق بهم....

امسك الاستاذ محمد من كتفه وقال وهو يلهث :استنى يا استاذ ....اسم البنت بالكامل نسمه محمد حسنين؟؟

تهلل وجه الرجل وقال بهفه : نعم....بالضبط...

فقال فاروق وهو ينظر للفتاه :اسمك موجود....اسمك موجود يا نسمه...

ضحكت نسمه بين دموعها وانفجرت الام تبكى وتضحك وتدعوا الله له بالا يسيئه فى حبيب له ....

فى حين مال هو على نسمه وقال لها :ادعى للست امينه بالرحمه

فقالت له بتعجب :والدتك ؟؟

قال لها وهو يبتسم شبح ابتسامه : نعم ...

وامسك قلمه وهو يهز راسه غير مصدق....واعاد كتابة الاسم الذى كان قد شطب عليه من قبل الى القائمه..........اسم نسمه بدلا من اسم الست امينه..........

نعم فقد كان هو من بدل الاسمين فى البدايه فى محاولة منه لخدمة الست امينه قريبته ....مع ان نسمه كانت الاولى بالعلاج ...ومن كان اسمها فى القائمة من البدايه .........فكر كثيرا ودبر وكاد ان ينجح لولا ان الله كان له تدبيرات اخرى سبحانه......

-----

يتبع بإذن الله

منقول

Engageya