يرسم الروائي العمانيّ محمد عيد العريمي في رواية "حكايات يونس حيم" ملامح قرية خرافية اسمها "كمنزار"، قرية ساحرة لا وجود لها إلا في صفحات روايته، هادئة، وادعة، لم تعرف التكنولوجيا ولا التطور، بل ظلت محافظة على بساطتها ووداعتها، وطيبة القاطنين فيها.
"كمنزار، قرية قدّها التاريخ من حجر بين جبلين أسودين شاهقين عملاقين يحجبان عنها أشعة الشمس معظم ساعات النهار، ويقفان منتصبين كحارسين خرافيين لا يتزحزحان من مكانيهما. نأت بنفسها بعيداً عن الحياة العصرية وضجيجها، وظلت تحتفظ بسحرها الكبير وأسرارها الكثيرة".
في هذه القرية يولد الأخوان "حيم"، وبعد حياة قاسية من الفقر، يقرران مغادرة القرية إلى العاصمة، بحثاً عن حياة أفضل. هناك سيحالفهما الحظ، فيكوّنان ثروة كبيرة، بفضل بعض العلاقات مع أصحاب السلطة والمال في المدينة.
يصوّر الكاتب أثر المال في نفوس الأفراد، وكيف أنه يغيّر من طباعهم، ويزيد من أطماعهم، كما يعرّي الرياء والنفاق المنتشرين في أوساط كبار التجار وأهل السلطة، ويكشف مدى الزيف الذي يغلف أفعالهم وأقوالهم.
مظاهر هذه البيئة الفاسدة، وما يشوب العلاقات فيها من مصالح وكذب، سوف تدفع بـ"يونس"، ابن الأخ الأكبر، إلى اختيار الوقوف على مسافة بعيدة من محيطه الأسري والاجتماعي، رافضاً أسلوب حياة المترفين، مفضّلاً الاختلاط بعامة الناس، والاقتراب منهم. هكذا يتعرّف إلى "تيجان"، ويحبها، وهي الفتاة "المولّدة" التي نتجت من "ساعة شبق بين عبد أسود وسبية بيضاء".
يروي الكاتب جزءاً من مأساة "الشركس" من خلال قصة "تيجان" وعائلتها، إذ تسرد ليونس حكاية جدتها وأمها، ومدى الظلم الذي تعرضتا له، بعد أن هربتا من الإبادة التي عاشها الشركس على يد الروس في شمال القوقاز، وكيف وقعتا في قبضة قطاع الطرق، وانتهى بهما المطاف في "عُمان".
تلقي الرواية الضوء على القيم التي ما زالت تحكم المجتمعات العربية، وكيف أن العصبيات القبلية ما زالت هي التي تسيّر كل شيء، إذ يقف اسم العائلة ومكانتها الاجتماعية عائقاً أمام حب "تيجان" و"يونس"، ويرفض أبوه أي علاقة بين الاثنين، "قال إن قراراته لم تعد تخضع لرغبته وإنما تتخذ بناءً على مصلحة الأسرة ومكانتها الاجتماعية، وليس من حقّ أحد الإساءة إلى سمعة "آل حيم" قريباً كان أو غريباً (...) وأضاف: نحن ننتمي إلى طبقة اجتماعية معينة، لا بدّ من الخضوع لقوانينها وشروطها إذا أردنا أن نكون جزءاً منها والاستقواء بها".
يعمد "العريمي" إلى تقسيم روايته إلى حكايات، كلّ حكاية تشكّل فصلاً يطرح موضوعة معينة، وتشترك هذه الحكايات جميعها في أنها مقتطفات من سيرة حياة "يونس حيم" الذي اختاره الكاتب ليكون بطلاً للرواية وراوياً لها، هكذا، نقرأ في فصل ما، مثلاً، عن "المال"، ونقرأ في فصل آخر عن "البنون"، "النسيان"، "غواية أنثى".
هذه الفصول/ الحكايات التي تتداخل قصصها وتتشعب، كل منها تعكس جزءاً من ثيمة العمل الأساسية: "الحب والمال"، والصراع بينهما. تكون علاقة "يونس" بابنة عمه "تونس" محركاً لإثارة السرد والمضي به نحو الفكرة التي يريد الروائي طرحها، من خلال وضع بطليه مرة أمام زواج تحكمه المصلحة ويخضع لحسابات الربح والخسارة، ومرة أخرى أمام "حب" صافي وصادق ودون منافع.
يُجبَر "يونس" على الزواج بابنة عمه، للحفاظ على ثروة العائلة. فيتزوجان دون رغبة، وتحت إلحاح الأهل، ثم يتفقان على أن يكون هذا الزواج مجرد تمثيلية يؤديانها أمام الجميع، "مضت بضعة أسابيع بعد عودتنا إلى بيتنا، أظهرنا خلالها لكل من حولنا ما يجب أن يكون عليه "عروسان عاشقان". مثّلنا الدور بمهارة يقف عاجزاً دونها أفضل الممثلين براعة. وكانت تونس أكثر تقمصاً للدور وأكثر إقناعاً".
يمرّ الاثنان بمواقف صعبة، يقرران بعدها الطلاق، وحين تعرف عائلتاهما بذلك، تبدأ الخلافات بالظهور، وتتعمق الفرقة بين الأخوين، وتطفو الصراعات الخفية، محولةً إياهما من "أخوين متعاضدين كانا مضرب الأمثال إلى خصمين".
بعد افتراقهما، يرحل "يونس" ليكمل دراسته في الخارج، بينما تقرر "تونس" الزواج من أول خاطب، وهنا يضعهما الكاتب، من جديد، أمام "حب" كل منهما للآخر، هذه المرّة دون قيود من أحد: لا ضغط العائلة، ولا الحفاظ على المال! فهل سيتغيّر شيء؟
محمد عيد العريمي ولد في وادي المر في سلطنة عمان. درس في الولايات المتحدة الأمريكية وحصل على شهادة البكالوريوس في الهندسة الصناعية. صدرت له مجموعة قصصية بعنوان "قوس قزح"، وسيرة بعنوان "مذاق الصبر" ترجمت إلى اللغة الإنجليزية. كما أصدر ثلاث روايات، هي "حز القيد"، "بين الصحراء والماء"، و"حكايات يونس حيم".